نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
باب في أحكام المواريث
إن موضوع المواريث موضوع مهم وجدير بالعناية ، فقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على تعلمه وتعليمه في أحاديث كثيرة :
- منها : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " تعلموا الفرائض ، وعلموها الناس ؛ فإنها نصف العلم ، وهو ينسى ، وهو أول علم ينزع من أمتي ، رواه ابن ماجه ، وفي رواية : فإني امرؤ مقبوض ، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن ، حتى يختلف اثنان في الفريضة ، فلا يجدان من يفصل بينهما "، رواه أحمد والترمذي والحاكم ..
وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - ، فقد أُهمل هذا العلم ونُسي ؛ فلا وجود لتعليمه في المساجد إلا نادرا ، ولا في مدارس المسلمين إلا في بعض الجهات التعليمية على شكل ضعيف لا يفي بالغرض ولا يضمن بقاء هذا العلم ..
فيجب على المسلمين أن يهبوا لإحياء هذا العلم والحفاظ عليه في المساجد والمدارس والجامعات ؛ فإنهم بأمس الحاجة إليه ، وسيسألون عنه ..
وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "العلم ثلاثة ، وما سوى ذلك فضل : آية محكمة ، وسنة قائمة ، وفريضة عادلة "..
وعن عمر - رضي الله عنه - : " تعلموا الفرائض ؛ فإنها من دينكم " ، وقال عبد الله : " من تعلم القرآن ؛ فليتعلم الفرائض " ..
ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - عن الفرائض : إنها نصف العلم أن للإنسان حالتين : حالة حياة ، وحالة موت . وفي الفرائض معظم الأحكام المتعلقة بالموت ، بينما يتعلق باقي العلم بأحكام الحياة ، وقيل : صارت نصف العلم ؛ لأنها يحتاج إليها الناس كلهم ، وقيل في معناه غير ذلك ، والمهم أن في ذلك توجيها للاهتمام بهذا العلم ..
ويسمى هذا العلم بالفرائض ، جمع فريضة، مأخوذ من الفرض ، وهو التقدير ؛ لأن أنصباء الورثة مقدرة ؛ فالفريضة نصيب مقدر شرعا لمستحقه ، وعلم الفرائض هو العلم بقسمة المواريث من حيث فقه أحكامها ومعرفة الحساب الموصل إلى قسمتها ..
ويتعلق بتركة الميت خمسة حقوق : فيبدأ بمؤنة ؛ تجهيزه من ثمن كفن ومؤنة تغسيله وأجرة حفر قبره ، ثم تقضى منها ديونه ، سواء كانت لله كالزكوات والكفارات والنذور والحج الواجب أو كانت للآدميين، ثم تخرج وصاياه ؛ بشرط أن تكون في حدود الثلث فأقل ، ثم يقسم الباقي بعد ذلك بين الورثة حسبما شرعه الله - عز وجل - ، يقدم أصحاب الفروض ، فإن بقي شيء ، فهو للعصبة على ما سيأتي بيانه ..
ولا يجوز تغيير المواريث عن وضعها الشرعي وذلك كفر بالله - عز وجل - ، قال الله تعالى : " تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ " قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - في " تفسيره " : " والإشارة بقوله : ( تلك ) إلى الأحكام المتقدمة ( يعنى : في المواريث ) ، وسماها حدودا ؛ لكونها لا تجوز مجاوزتها ولا يحل تعديها ، " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " في قسمة المواريث وغيرها من الأحكام الشرعية كما يفيده عموم اللفظ ؛ " يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ " إلى أن قال : " وأخرج ابن ماجه عن أنس ؛ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قطع ميراث وارثه ؛ قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة " انتهى ..
فمن تصرف في المواريث عن مجراها الشرعي ، فورَّث غير وارث ، أو حرم الوارث من كل حقه أو بعضه ، أو ساوى بين الرجل والمرأة في الميراث ؛ كما في بعض الأنظمة القانونية الكفرية ؛ مخالفا بذلك حكم الله في جعله للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ فهو كافر مخلد في النار والعياذ بالله ، إلا أن يتوب إلى الله قبل موته ..
إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون النساء والصغار من الميراث ، ويجعلونه للذكور الكبار الذين يركبون الخيل ويحملون السلاح ، فجاء الإسلام بإبطال ذلك ، وقال الله تعالى : " لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا " ، وهذا لدفع ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء والصغار ، وفي قوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " وفي قوله : " وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " إبطال لما عليه بعض الجاهليات المعاصرة من تسوية المرأة بالرجل في الميراث محادة لله ورسوله وتعديا لحدود الله ، فالجاهلية القديمة منعت المرأة من الميراث بالكلية ، والجاهلية المعاصرة أعطتها ما لا تستحقه ، ودين الإسلام أنصفها وأكرمها وأعطاها حقها اللائق بها ، فقاتل الله الكفار والمنافقين والملحدين الذين " يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " .. أسباب الإرث وبيان الورثة
الإرث هو انتقال مال الميت إلى حي بعده حسبما شرعه الله ..
وله أسباب ثلاثة :
أولها : الرحم : أي : القرابة ، وهم قرابة النسب ، قال الله تعالى : " وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ " سواء قربت القرابة من الميت أو بعدت ، إذا لم يكن دونها من يحجبها .
وتشمل أصولا وفروعا وحواشي : فالأصول هم الآباء والأجداد وإن علوا بمحض الذكور ، والفروع هم الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا ، والحواشي هم الإخوة وبنوهم وإن نزلوا والأعمام وإن علوا وبنوهم وإن نزلوا .
والثاني : النكاح : وهو عقد الزوجية الصحيح ، ولو لم يحصل به وطء ولا خلوة ؛ لعموم قوله تعالى : " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ " إلى قوله : " وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ " .
ويتوارث بعقد الزوجية الزوجان من الجانبين ؛ فكل منهما يرث الآخر للآية الكريمة ، ويتوارث به الزوجان أيضا في عدة الطلاق الرجعي ؛ لأن الرجعية زوجة ، وقولهم : " عقد الزوجية الصحيح " : يخرج به العقد غير الصحيح ؛ فلا توارث بالنكاح الفاسد ؛ لأن وجوده كعدمه .
والثالث : ولاء العتاقة ؛ وهو عصوبة ، سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق ، ويورث بها من جانب واحد فقط ، فالمعتق يرث عتيقه دون العكس ، ويخلف المعتق من بعده عصبته بالنفس دون العصبة بالغير أو مع الغير .
والدليل على التوريث بالولاء قوله - صلى الله عليه وسلم - : " الولاء لحمة كلحمة النسب "، رواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم وصححه ، فشبه الولاء بالنسب ، والنسب يورث به ؛ فكذا الولاء ، وهذا بالإجماع ، وفي " الصحيحين " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما الولاء لمن أعتق " .
أقسام الورثة باعتبار الجنس :
الورثة ينقسمون باعتبار الجنس إلى ذكور وإناث
والوارثون من الذكور عشرة :
- الابن وابنه وإن نزل بمحض الذكور ؛ لقوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " وابن الابن يعد ابنا ؛ لقوله تعالى : " يَابَنِي آدَمَ " " يَابَنِي إِسْرَائِيلَ " .
- والأب وأبوه وإن علا بمحض الذكور ؛ كأبي الأب وأبي الجد ؛ لقوله تعالى : " وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ " والجد أب ، وقد أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - السدس .
- والأخ مطلقا ، سواء كان شقيقا أو لأب أو لأم ؛ لقوله تعالى : " يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ "الآية ؛ فهذه في الأخوة لغير الأم ، وقال في الأخوة لأم : " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ".
- وابن الأخ لغير أم ، أما ابن الأخ لأم ؛ فلا يرث ؛ لأنه من ذوي الأرحام .
- والعم لغير أم وابنه وإن نزل بمحض الذكور ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ألحقوا الفرائض بأهلها ؛ فما بقي ؛ فلأولى رجل ذكر " .
- والزوج ؛ لقوله تعالى : " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ " .
- والعاشر ذو الولاء ، وهو المعتِق أو من يحل محله ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " الولاء لحمة كلحمة النسب " وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " وإنما الولاء لمن أعتق " .
والوارثات من النساء سبع :
- البنت وبنت الابن وإن نزل أبوها بمحض الذكور ؛ لقوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ " .
- والأم والجدة ؛ لقوله تعالى : " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ " وعن بريدة مرفوعا : " للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم " ، رواه أبو داود .
- والأخت مطلقا شقيقة أو لأب أو لأم ؛ لقوله تعالى : " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ " ولقوله تعالى : " إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ " إلى قوله : " فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ " .
- والزوجة ، لقوله تعالى : " وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ " ... الآية .
- والمعتقة ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الولاء لمن أعتق " .
هذه جملة الوارثين من الذكور والإناث .
وعند التفصيل يبلغ الرجال خمسة عشر وتبلغ الإناث عشرا ، ويعرف ذلك بالتأمل والرجوع إلى المصادر . والله تعالى أعلم .
أنواع الورثة باعتبار الإرث :
والورثة باعتبار الإرث ثلاثة أنواع نوع يرث بالفرض ، ونوع يرث بالتعصيب ، ونوع يرث لكونه من ذوي الأرحام .
فصاحب الفرض : هو الذي يأخذ نصيبا مقدرا شرعا لا يزيد إلا بالرد ولا ينقص إلا بالعول .
والعصبة : هم الذين يرثون بلا تقدير .
- وذوو الأرحام هم الذين يرثون عند عدم أصحاب الفروض غير الزوجين وعدم العصبات .
وذوو الفروض عشرة أصناف : الزوجان ، والأبوان ، والجد ، والبنات ، وبنات الابن ، والأخوات من كل جهة ، والأخوة من الأم ذكورا وإناثا .
ميراث الأزواج والزوجات
للزوج النصف مع عدم الولد وولد الابن ، والربع مع وجوب الولد أو ولد الابن :
لقوله تعالى : " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ " .
وللزوجة فأكثر الربع مع عدم الفرع الوارث ، والثمن مع وجوده :
لقوله تعالى : " وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ " .
والمراد بالفرع الوارث أولاد الميت وأولاد بنيه .
ميراث الآباء والأجداد
ولكل من الأب والجد : السدس فرضا مع ذكور الولد وولد الابن ؛ لقوله تعالى : " وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ".
ويرث الأب والجد بالتعصيب مع عدم الولد وولد الابن ، لقوله تعالى : " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ "، فأضاف الميراث إلى الأبوين الأب والأم ، وقدَّر نصيب الأم ، ولم يقدر نصيب الأب ، فكان له الباقي تعصيبا .
ويرث الأب والجد بالفرض والتعصيب معا مع إناث الأولاد وأولاد البنين ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " ؛ أي : فلأقرب رجل من الميت ، والأب هو أقرب ذكر بعد الابن وابنه .
فتلخص أن للأب ثلاث حالات :
الحالة الأولى : يرث فيها بالفرض فقط ، وذلك مع وجود ابن الميت لصلبه أو ابن ابنه وإن نزل .
والحالة الثانية : يرث فيها بالتعصيب فقط مع عدم الولد وولد الابن .
والحالة الثالثة : يرث فيها بالفرض والتعصيب معا مع وجود الإناث من ولد الميت أو من ولد ابنه .
والجد مثل الأب في مثل هذه الحالات ؛ لتناول النصوص له إذا عدم الأب ، ويزيد الجد على الأب حالة رابعة ، وهي ما إذا وجد معه إخوة أشقاء أو لأب ، فقد اختلف في هذه الحالة : هل يكون فيها مثل الأب يحجب الإخوة أو لا يحجبهم ويشاركونه في الميراث ويكون كواحد منهم يتقاسمون المال أو ما أبقت الفروض على كيفيات معروفة في هذا الباب ؛ لأن الجد والإخوة تساووا في الإدلاء بالأب ؛ فالجد أبوه ، والإخوة أبناؤه ، فيتساوون في الميراث ؛ كما ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة ؛ كعلي ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وهو قول الإمام مالك والشافعي وصاحبي أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه ، واستدلوا بأدلة وتوجيهات وأقيسة كثيرة مذكورة في الكتب المطولة .
والقول الثاني : أن الجد يسقط الإخوة كما يسقطهم الأب ، وذهب إلى ذلك أبو بكر الصديق وابن عباس وابن الزبير ، وروي عن عثمان وعائشة وأبي بن كعب وجابر وغيرهم ، وهو قول الإمام أبي حنيفة ، ورواية عن الإمام أحمد ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحم الله الجميع ، ولهم أدلة كثيرة ، وهذا القول أقرب إلى الصواب من القول الأول ، والله أعلم .
للأم ثلاث حالات :
الحالة الأولى : ترث فيها السدس ، وذلك مع وجود الفرع الوارث من أولاد الميت أو أولاد بنيه ، أو مع وجود اثنين فأكثر من الإخوة ؛ لقوله تعالى : " وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ " إلى قوله تعالى : " فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ " .
الحالة الثانية : ترث فيها الثلث ، وذلك مع عدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين ، وعدم الجمع من الإخوة والأخوات ؛ لقوله تعالى : " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ " .
الحالة الثالثة : ترث فيها ثلث الباقي إذا اجتمع زوج وأب وأم أو زوجة وأب وأم ، وتسمى هاتان المسألتان بالعمريتين ؛ لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قضى فيهما أن للأم ثلث الباقي بعد الموجود من الزوجين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " وقوله أصوب ؛ لأن الله إنما أعطى الأم الثلث إذا ورثه أبواه ؛ يعني : في قوله تعالى : " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ " والباقي بعد فرض الزوجين هو ميراث الأبوين يقتسمانه كما اقتسما الأصل ، وكما لو كان على الميت دين أو وصية فإنهما يقتسمان ما بقي أثلاثا " .ميراث الجدة
المراد بالجدة هنا الجدة الصحيحة ، وهي كل جدة أدلت بمحض الإناث ؛ كأم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص ؛ وكأم الأب وكل جدة أدلت بمحض الذكور ؛ كأم أبي الأب وأم أبي أبي الأب ، أو أدلت بإناث إلى ذكور ، كأم أم الأب ، وأم أم أم أبي الأب ، أما الجدة المدلية بذكور إلى إناث كأم أبي الأم وأم أبي أم الأب فهذه لا ترث ؛ لأنها من ذوي الأرحام .
فضابط الجدة الوارثة هي من أدلت بإناث خلص أو بذكور خلص أو بإناث إلى ذكور ، وضابط الجدة غير الوارثة هي : من أدلت بذكور إلى إناث ، وبعبارة أخرى : من أدلت بذكر بين أنثيين هي إحداهما .
ودليل توريث الجدة السنة والإجماع :
- فأما السنة ؛ فمنها حديث قبيصة بن ذؤيب ؛ قال : " جاءت الجدة إلى أبي بكر ، فسألته ميراثها ، فقال : ما لك في كتاب الله شيء ، وما علمت لك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فارجعي حتى أسأل الناس . فسأل الناس ، فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس . فقال : هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة ، فأنفذه لها أبو بكر " قال : " ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر ، فسألته ميراثها ، فقال : ما لك في كتاب الله شيء ، ولكن هو ذاك السدس ، فإن اجتمعتما فهو بينكما ، وأيكما خلت فهو لها " . رواه الخمسة إلا النسائي ، وصححه الترمذي .
وعن بريدة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم " رواه أبو داود ، وصححه ابن السكن ، وابن خزيمة ، وابن الجارود .
فهذان الحديثان يفيدان استحقاق الجدة السدس ، وهي - كما قال الصديق وعمر - رضي الله عنهما - ليس لها في كتاب الله شيء ؛ لأن الأم المذكورة في كتاب الله مقيدة بقيود توجب اختصاص الحكم بالأم الدنيا ، فالجدة وإن سميت أما ؛ لم تدخل في لفظ الأم المذكورة في الفرائض ، وإن دخلت في لفظ الأمهات في قوله تعالى : " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ " ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس ؛ فثبت ميراثها إذًا بالسنة .
وكذا ثبت ميراثها بإجماع العلماء ؛ فلا خلاف بين أهل العلم في توريث أم الأم ، وأم الأب ، واختلفوا فيما عداهما ؛ فورث ابن عباس وجماعة من العلماء الجدات وإن كثرن إذا كن في درجة واحدة ؛ إلا من أدلت بأب غير وارث ؛ كأم أبي الأم ، وورث بعضهم ثلاث جدات فقط هن أم الأم وأم الأب وأم الجد أبي الأب
ويشترط لتوريث الجدة عدم وجود الأم ؛ لأن الجدة تدلي بها ، ومن أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة ، إلا ما استثني ، وهذا بإجماع أهل العلم أن الأم تحجب الجدة من جميع الجهات .
كيفية توريث الجدات :
إذا انفردت واحدة من الجدات ، ولم يكن دونها أم ؛ أخذت السدس كما سبق ، ليس لها أكثر منه ، والقول بأن لها الثلث عند عدم الولد وعدم الجمع من الإخوة كالأم في ذلك قول شاذ لا يعوَّل عليه .
وإذا وجد جمع من الجدات : فإن تساوين في الدرجة ؛ فإنهن يشتركن في السدس ؛ لأن الصحابة شركوا بينهن ؛ ولأنهن ذوات عدد ، لا يشاركهن ذكر ، فاستوى كثيرهن وواحدتهن كالزوجات ، ولعدم المرجح لإحداهن .
ومن قربت منهن إلى الميت ؛ فالسدس لها وحدها ، سواء كانت من جهة الأم أو من جهة الأب ، وتسقط البعدى ؛ لأنهن أمهات يرثن ميراثا واحدا ، فإذا اجتمعن مع اختلاف الدرجة ، فالميراث لأقربهن .
وترث الجدة أم الأب مع وجود الأب ، وترث الجدة أم الجد مع وجود الجد ، ولا تسقط بمن أدلت في هذه الحالة ؛ على خلاف القاعدة : أن من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة ؛ لما روى ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال في الجدة مع ابنها : " إنها أول جدة أطعمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سدسا مع ابنها وابنها حي " رواه الترمذي ، والعلة في ذلك أنها لا ترث ميراث من أدلت به حتى تسقط به إذا وجد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " وقول من قال : من أدلى بشخص سقط به : باطل طردا وعكسا ، باطل طردا بولد الأم مع الأم ، وعكسا بولد الابن مع عمهم ، وولد الأخ مع عمهم ، وأمثال ذلك مما فيه سقوط شخص بشخص لم يدل به ، وإنما العلة أنها ترث ميراثه ، فكل من ورث ميراث شخص سقط به إذا كان أقرب منه ، والجدات يقمن مقام الأم فيسقطن بها ، وإن لم يدلين بها ، والله أعلم " . في ميراث البنات
البنت الواحدة تأخذ النصف بشرطين :
الشرط الأول : انفرادها عمن يشاركها من أخواتها .
والشرط الثاني : انفرادها عمن يعصبها من إخوتها .
وذلك لقوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ " فقوله : " وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً " يؤخذ منه اشتراط انفرادها عمن يشاركها من أخواتها ، وقوله تعالى : " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " يؤخذ منه اشتراط عدم المعصب .
وبنت الابن تأخذ النصف بثلاثة شروط :
الشرط الأول : عدم المعصب لها ، وهو أخوها ، أو ابن عمها الذي في درجتها .
والشرط الثاني : عدم المشارك لها ؛ وهو أختها ، أو بنت عمها التي في درجتها .
والشرط الثالث : عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منها .
والبنات اثنتان فأكثر تأخذان الثلثين ، وذلك بشرطين :
الشرط الأول : أن يكن اثنتين فأكثر .
والشرط الثاني : عدم المعصب ، وهو ابن الميت لصلبه ، وذلك لقوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ " فاستفيد من قوله : " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " اشتراط عدم المعصب في ميراث البنات الثلثين ، واستفيد من قوله تعالى : " فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ " اشتراط كونهن اثنتين فأكثر .
لكن قد أشكل لفظ : " فَوْقَ اثْنَتَيْنِ " في الآية الكريمة ؛ إذ ظاهره أن البنتين لا تأخذان الثلثين ، وإنما تأخذه الثلاث فأكثر ؛ كما هو مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - والجمهور من أهل العلم على خلافه ، وأن البنتين تأخذان الثلثين بدليل حديث جابر - رضي الله عنه - قال : " جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنتيها من سعد ، فقالت : يا رسول الله ! هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا ، وإن عمهما أخذ مالهما ، فلم يدع لهما مالا ، ولا تنكحان إلا بمال . فقال : ( يقضي الله في ذلك ) فنزلت آية الميراث ، فأرسل رسول الله إلى عمهما ، فقال : ( أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأمهما الثمن ، وما بقي فهو لك " رواه الخمسة إلا النسائي ، وحسنه الترمذي ، وهو يدل على أن للبنتين الثلثين ، وهو نص في محل النزاع ، وتفسير من النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى : " فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ " وبيان لمعناها ، لا سيما وأن سبب نزولها قصة ابنتي سعد بن الربيع ، وسؤال أمهما عن شأنهما ، وحين نزلت أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما .
ويجاب عن لفظة فَوْقَ اثْنَتَيْنِ التي استدل بها من رأى عدم توريث البنتين الثلثين حتى يكن ثلاثا فأكثر بأجوبة :
منها : أن هذا من باب مطابقة الكلام بعضه لبعض ؛ لأنه سبحانه وتعالى قال : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ " فالضمير في ( كن ) مجموع يطابق الأولاد إن كان الأولاد نساء ؛ فاجتمع في الآية الكريمة ثلاثة أمور :
لفظ ( الأولاد ) وهو جمع ، وضمير ( كن ) وهو ضمير جمع ، و( نساء ) وهو اسم جمع ؛ فناسب التعبير بفوق اثنتين .
ومن الأجوبة عن هذا الإشكال : أن الله تعالى جعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإذا أخذ الذكر الثلثين والأنثى الثلث ؛ علم قطعا أن حظ الأنثيين الثلثان ؛ لأنه إذا كان للواحدة مع الذكر الثلث ؛ فلأن يكون لها مع الأنثى الثلث أولى وأحرى ، وهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى ، فإذا كان سبحانه قد ذكر ميراث الواحدة نصا وميراث الثنتين تنبيها ؛ فإن كلمة " فَوْقَ اثْنَتَيْنِ " تفيد أن الفرض لا يزيد بزيادة العدد ، حتى ولو كن فوق اثنتين ، والله أعلم .
وبنتا الابن مثل بنات الصلب في استحقاقهن الثلثين ، سواء كانتا أختين أو بنتي عم متحاذيتين ؛ فتأخذان الثلثين قياسا على بنتي الصلب ؛ لأن بنت الابن كالبنت ، لكن لا بد لهما من توفر ثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكن اثنتين فأكثر .
الشرط الثاني : عدم المعصب ، وهو ابن الابن ، سواء كان أخا لهما ، أو كان ابن عم لهما في درجتهما .
الشرط الثالث : عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منهما من ابن صلب ، أو ابن ابن ، أو بنات صلب ، أو بنات ابن واحدة فأكثر ، والله أعلم . ميراث الأخوات الشقائق
قد ذكر الله سبحانه وتعالى ميراث الأخوات الشقائق والأخوات لأب مع الإخوة لغير أم واحدتهن وجماعتهن ، بقوله في آخر سورة النساء : " يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " وذكر ميراث الأخوات لأم واحدة كانت أو أكثر مع الإخوة لأم بقوله تعالى : " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ " في أول السورة .
فالأخت الشقيقة تأخذ النصف بأربعة شروط :
الشرط الأول : عدم المعصب لها ، وهو الأخ الشقيق ؛ لقوله تعالى : " وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ".
الشرط الثاني : عدم المشارك لها ، وهو الأخت الشقيقة ؛ لقوله تعالى : " إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ".
الشرط الثالث : عدم الأصل من الذكور الوارثين ، والمراد به الأب والجد من قبل الأب على الصحيح .
الشرط الرابع : عدم الفرع الوارث ، وهو الابن وابن الابن وإن نزل ، والبنت وبنت الابن وإن نزل أبوها .
ودليل هذين الشرطين أن الإخوة والأخوات إنما يرثون في مسألة الكلالة ، والكلالة هو من لا والد له ولا ولد .
والأخت لأب تأخذ النصف بخمسة شروط ، وهي الشروط الأربعة السابقة في حق الأخت الشقيقة ، والخامس عدم الأخ الشقيق والأخت الشقيقة ؛ لأن الموجود منهما أقوى منها .
والأختان الشقيقتان فأكثر يأخذن الثلثين ؛ لقوله تعالى : " فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ " وإنما يأخذن الثلثين بأربعة شروط :
الشرط الأول : أن يكن اثنتين فأكثر ، للآية الكريمة : " فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ ".
الشرط الثاني : عدم المعصب لهما ، وهو الأخ الشقيق فأكثر ؛ لقوله تعالى : " وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " .
الشرط الثالث : عدم الفرع الوارث ، وهم الأولاد وأولاد البنين ؛ لقوله تعالى : " إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ " الآية .
الشرط الرابع : عدم الأصل من الذكور الوارث ، وهو الأب بالإجماع ، والجد على الصحيح .
والأخوات لأب ثنتان فأكثر يأخذن الثلثين للإجماع على دخولهن في عموم آية الكلالة : "إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ " لكن لا يأخذن الثلثين إلا إذا تحقق خمسة شروط : الشروط الأربعة السابقة في الشقائق ، والشرط الخامس : عدم الأشقاء والشقائق ، فلو كان هناك من الأشقاء - واحدا كان أو أكثر ، ذكرا كان أو أنثى - لم ترث الأخوات لأب الثلثين ، بل يحجبن بالذكر وبالشقيقتين ، إلا إذا كان معهن من يعصبهن ، وأما إذا كان الموجود شقيقة واحدة ، فإن للأخت أو الأخوات لأب السدس تكملة الثلثين .
وإذا وجد بنت واحدة وبنت ابن فأكثر ؛ فللبنت النصف ، ولبنت الابن فأكثر معها السدس ؛ تكملة الثلثين ، لقضاء ابن مسعود - رضي الله عنه - بذلك ، وقوله : إنه قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ، رواه البخاري ، ولأنه قد اجتمع من بنات الميت أكثر من واحدة ، فكان لهن الثلثان ؛ لقوله تعالى : " فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ " واختصت بنت الصلب بالنصف لأنها أقرب ، فبقي لبنت الابن فأكثر السدس ؛ تكملة الثلثين ، وذلك بعد توفر هذين الشرطين :
الشرط الأول : عدم المعصب لها ، وهو ابن الابن المساوي لها في الدرجة ، سواء كان أخا لها أو ابن عم .
الشرط الثاني : عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منها سوى صاحبة النصف ؛ فإنها لا تأخذ السدس إلا معها .
والأخت لأب مع الأخت الشقيقة تأخذ السدس تكملة الثلثين ، والدليل على ذلك إجماع العلماء كما حكاه غير واحد ، وقياسها على بنت الابن مع بنت الصلب ، لكن لا تأخذ الأخت لأب السدس إلا بشرطين :
الشرط الأول : أن تكون مع أخت شقيقة وارثة النصف فرضا ، فلو تعددت الشقيقات أسقطن الأخت لأب ؛ لاستكمالهن الثلثين .
الشرط الثاني : عدم المعصب لها ، وهو أخوها ، فإن كان معها أخوها فالباقي بعد الشقيقة لهما تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين ، والله أعلم .
ميراث الأخوات مع البنات وميراث الإخوة لأم
إذا وجد بنت فأكثر مع أخت شقيقة أو لأب فأكثر ، فإن الموجود من البنات واحدة فأكثر يأخذ نصيبه ، ثم إن جمهور العلماء من الصحابة والتابعين يرون أن الأخوات من الأبوين أو من الأب يكن عصبة مع البنات ( وهو ما يسمى لدى الفرضيين بالتعصيب مع الغير ) ، فيأخذن ما فضل عن نصيب الموجود من البنات أو بنات الابن ، بدليل الحديث الذي رواه البخاري وغيره " أن أبا موسى سئل عن ابنة وبنت ابن وأخت ؛ فقال : للابنة النصف ، وللأخت النصف ، وقال للسائل : ائت ابن مسعود . فسئل ابن مسعود ، وأخبر بقول أبي موسى ، فقال : لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين ، أقضي فيها بما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - : للبنت النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت " ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن الأخت مع البنت عصبة تأخذ الباقي بعد فرضها وفرض ابنة الابن .
ويرث الواحد من الإخوة لأم السدس سواء كان ذكرا أم أنثى ، ويرث الاثنين فأكثر منهم الثلث بينهم بالسوية الذكر والأنثى سواء ؛ لقوله تعالى : " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ".
وقد أجمع العلماء على أن المراد بالإخوة في هذه الآية الكريمة الإخوة لأم ، وقرأها ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص : ( وله أخ أو أخت من أم ) .
وقد ذكرهم الله تعالى من غير تفضيل ، فاقتضى ذلك تسوية الأنثى بالذكر منهم .
قال الإمام ابن القيم : " وهو القياس الصحيح ، والميزان الموافق لدلالة القرآن وفهم أكابر الصحاب " .
ويشترط لاستحقاق ولد الأم السدس ثلاثة شروط :
الشرط الأول : عدم الفرع الوارث .
الشرط الثاني : عدم الأصل من الذكور الوارثين .
الشرط الثالث : انفراده .
ويشترط لاستحقاق الإخوة لأم الثلث ثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكونوا اثنين فأكثر ؛ ذكرين كانوا أو أنثيين ، أو ذكرا وأنثى ، أو أكثر من ذلك .
الشرط الثاني : عدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا .
الشرط الثالث : عدم الأصل من الذكور الوارثين وهو الأب والجد من قبله .
ويختص الإخوة لأم بأحكام خمسة :
الحكم الأول والثاني : أنه لا يفضل ذكرهم على أنثاهم في الميراث اجتماعا وانفرادا ؛ لقوله تعالى في حالة الانفراد : " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ " وقوله تعالى في حالة الاجتماع : " فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ".
والكلالة في قول الجمهور : من ليس له ولد ولا والد ، فشرط في توريثهم عدم الولد والوالد ، والولد يشمل الذكر والأنثى ، والوالد يشمل الأب والجد ، وفي قوله تعالى : " فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ " دليل على عدم تفضيل ذكرهم على أنثاهم ؛ لأن الله سبحانه شرك بينهم في الاستحقاق ، والتشريك إذا أطلق اقتضى المساواة ، والحكمة في ذلك - والله أعلم - أنهم يرثون بالرحم المجردة ؛ فالقرابة التي يرثون بها قرابة أنثى فقط ، وهم فيها سواء ؛ فلا معنى لتفضيل ذكرهم على أنثاهم ؛ بخلاف قرابة الأب .
الحكم الثالث : أن ذكرهم يدلي بأنثى ويرث ؛ بخلاف غيرهم في أنه إذا أدلى بأنثى لا يرث ؛ كابن البنت
الحكم الرابع : أنهم يحجبون من أدلوا به نقصانا ؛ أي : أن الأم التي أدلوا بها تحجب بهم من الثلث إلى السدس ؛ بخلاف غيرهم ؛ فإن المدلى به يحجب المدلي .
الحكم الخامس : أنهم يرثون مع من أدلوا به ، فإنهم يرثون مع الأم التي أدلوا بها ، وغيرهم لا يرث مع من أدلى به ، كابن الابن ، فإنه لا يرث مع الابن ، وهذا تشاركهم فيه الجدة أم الأب وأم الجد ؛ فإنها تدلي بابنها وترث معه ، والتحقيق أن الواسطة لا تحجب من أدلى بها إلا إذا كان يخلفها بأخذ نصيبها ، أما إذا كان لا يأخذ نصيبها فإنها لا تحجبه ؛ كما هو الشأن في الإخوة لأم ؛ فإنهم لا يأخذون نصيب الأم عند عدمها ، والجدة أم الأب وأم الجد لا تأخذان نصيبها وإنما ، ترثان بالأمومة خلفا عن الأم ، والله أعلم .
التعصيب
التعصيب لغة : مصدر عصب يعصب تعصيبا فهو معصب ، مأخوذ من العصب ؛ بمعنى : الشد والإحاطة والتقوية ، ومنه العصائب ، وهي العمائم .
والعصبة في الفرائض ( جمع عاصب ) لفظ يطلق على الواحد ، فيقال : زيد عصبة ، ويطلق على الجماعة ، وعصبة الرجل قرابته من جهة أبيه ، سموا عصبة لأنهم عصبوا به ؛ أي : أحاطوا به ، وكل شيء استدار حول شيء فقد عصب به ؛ فالأب طرف ، والابن طرف ، والأخ جانب ، والعم جانب ، وقيل : سموا بذلك لتقوي بعضهم ببعض ، من العصب ، وهو الشد والمنع ؛ فبعضهم يشد بعضا ، ويمنع من تطاول الغير عليه .
والعاصب في اصطلاح الفرضيين هو من يرث بلا تقدير ؛ لأنه إذا انفرد حاز جميع المال ، وإذا كان مع صاحب فرض أخذ ما بقي بعد الفرض ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر " .
وينقسم العصبة إلى ثلاثة أقسام :
عصبة بالنفس ، وعصبة بالغير ، وعصبة مع الغير :
القسم الأول : العصبة بالنفس وهم المجمع على إرثهم من الرجال إلا الزوج والأخ من الأم ، وهم أربعة عشر : الابن ، وابن الابن وإن نزل ، والأب ، والجد من قبل الأب وإن علا ، والأخ الشقيق ، والأخ لأب ، وابناهما وإن نزلا ، والعم الشقيق والعم لأب وإن علوا ، وابناهما وإن نزلا ، والمعتق والمعتقة .
القسم الثاني : العصبة بالغير ، وهم أربعة أصناف :
الأول : البنت فأكثر مع الابن فأكثر .
الثاني : بنت الابن فأكثر مع ابن الابن فأكثر إذا كان في درجتها ، سواء كان أخاها أو ابن عمها ، أو مع ابن الابن الذي هو أنزل منها إذا احتاجت إليه .
ودليل هذين الصنفين من العصبة بالغير قوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " فهذه الآية الكريمة تناولت الأولاد وأولاد الابن .
الثالث : الأخت الشقيقة فأكثر مع الأخ الشقيق فأكثر .
الرابع : الأخت لأب فأكثر مع الأخ لأب فأكثر .
ودليل هذين الصنفين قوله تعالى : " وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " فتناولت الآية الكريمة ولد الأبوين ، وولد الأب .
فهؤلاء الأربعة من الذكور : الابن ، وابن الابن ، والأخ الشقيق ، والأخ لأب ترث معهم أخواتهم عن طريق التعصيب بهم ، أما من عداهم من الذكور فلا ترث أخواتهم معهم شيئا ، وذلك كأبناء الإخوة والأعمام وأبناء الأعمام .
القسم الثالث : العصبة مع الغير ، وهم صنفان :
الأول : الأخت الشقيقة فأكثر مع البنت فأكثر ، أو بنت الابن فأكثر .
الثاني : الأخت لأب فأكثر مع البنت فأكثر ، أو بنت الابن فأكثر ، وهذا قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن الأخوات لأبوين أو لأب عصبة مع البنات أو بنات الابن ، ودليلهم ما رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي : ( أن أبا موسى - رضي الله عنه - سئل عن بنت وبنت ابن وأخت ؛ فقال : للبنت النصف ، وللأخت النصف . وقال للسائل : ائت ابن مسعود . فلما أتى ابن مسعود ، وأخبره بقول أبي موسى ؛ قال : قد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين ، أقضي فيها بما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - : للبنت النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت )
هذا ، والعصبة بالنفس من انفرد منهم حاز جميع المال لقوله تعالى : "وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ " فورث في هذه الآية الأخ جميع مال أخته ، وينفرد العصبة بالنفس بهذا الحكم ، ويشاركون بقية العصبة في أنهم إذا كانوا مع أصحاب الفروض يأخذون ما بقي ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ألحقوا الفرائض بأهلها " ؛ فما بقي فلأولى رجل ذكر وإن لم يبق شيء بعد الفروض سقطوا .
هذا ، وللعصبة جهات ست هي : جهة البنوة ، ثم جهة الأبوة ، ثم جهة الأخوة ، ثم جهة بني الإخوة ، ثم جهة الولاء ، والولاء كما سبق هو عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق ، ودليلها قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الولاء لمن أعتق " .
وإذا اجتمع عاصبان فأكثر ، فلهم حالات أربع :
الأولى : أن يتحدا في الجهة والدرجة والقوة ، وحينئذ يشتركان في الميراث ؛ كالأبناء والإخوة الأشقاء والأعمام .
الثانية : أن يختلفا في الجهة ، فيقدم في الميراث الأقوى جهة ؛ كالابن والأب ، فيقدم الابن في التعصيب على الأب .
الثالثة : أن يتحدا في الجهة ويختلفا في الدرجة ، كما لو اجتمع ابن وابن ابن ، فيقدم الابن على ابن الابن ؛ لأنه أقرب درجة .
الرابعة : أن يتحدا في الجهة والدرجة ويختلفا في القوة ؛ بحيث يكون أحدهما أقوى من الآخر ، فيقدم الأقوى ؛ كما لو اجتمع أخ شقيق وأخ لأب ، فيقدم الأخ الشقيق ؛ لأنه أقوى ؛ لإدلائه بأبوين ، والأخ لأب يدلي بالأب فقط .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
باب في أحكام المواريث
إن موضوع المواريث موضوع مهم وجدير بالعناية ، فقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على تعلمه وتعليمه في أحاديث كثيرة :
- منها : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " تعلموا الفرائض ، وعلموها الناس ؛ فإنها نصف العلم ، وهو ينسى ، وهو أول علم ينزع من أمتي ، رواه ابن ماجه ، وفي رواية : فإني امرؤ مقبوض ، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن ، حتى يختلف اثنان في الفريضة ، فلا يجدان من يفصل بينهما "، رواه أحمد والترمذي والحاكم ..
وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - ، فقد أُهمل هذا العلم ونُسي ؛ فلا وجود لتعليمه في المساجد إلا نادرا ، ولا في مدارس المسلمين إلا في بعض الجهات التعليمية على شكل ضعيف لا يفي بالغرض ولا يضمن بقاء هذا العلم ..
فيجب على المسلمين أن يهبوا لإحياء هذا العلم والحفاظ عليه في المساجد والمدارس والجامعات ؛ فإنهم بأمس الحاجة إليه ، وسيسألون عنه ..
وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "العلم ثلاثة ، وما سوى ذلك فضل : آية محكمة ، وسنة قائمة ، وفريضة عادلة "..
وعن عمر - رضي الله عنه - : " تعلموا الفرائض ؛ فإنها من دينكم " ، وقال عبد الله : " من تعلم القرآن ؛ فليتعلم الفرائض " ..
ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - عن الفرائض : إنها نصف العلم أن للإنسان حالتين : حالة حياة ، وحالة موت . وفي الفرائض معظم الأحكام المتعلقة بالموت ، بينما يتعلق باقي العلم بأحكام الحياة ، وقيل : صارت نصف العلم ؛ لأنها يحتاج إليها الناس كلهم ، وقيل في معناه غير ذلك ، والمهم أن في ذلك توجيها للاهتمام بهذا العلم ..
ويسمى هذا العلم بالفرائض ، جمع فريضة، مأخوذ من الفرض ، وهو التقدير ؛ لأن أنصباء الورثة مقدرة ؛ فالفريضة نصيب مقدر شرعا لمستحقه ، وعلم الفرائض هو العلم بقسمة المواريث من حيث فقه أحكامها ومعرفة الحساب الموصل إلى قسمتها ..
ويتعلق بتركة الميت خمسة حقوق : فيبدأ بمؤنة ؛ تجهيزه من ثمن كفن ومؤنة تغسيله وأجرة حفر قبره ، ثم تقضى منها ديونه ، سواء كانت لله كالزكوات والكفارات والنذور والحج الواجب أو كانت للآدميين، ثم تخرج وصاياه ؛ بشرط أن تكون في حدود الثلث فأقل ، ثم يقسم الباقي بعد ذلك بين الورثة حسبما شرعه الله - عز وجل - ، يقدم أصحاب الفروض ، فإن بقي شيء ، فهو للعصبة على ما سيأتي بيانه ..
ولا يجوز تغيير المواريث عن وضعها الشرعي وذلك كفر بالله - عز وجل - ، قال الله تعالى : " تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ " قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - في " تفسيره " : " والإشارة بقوله : ( تلك ) إلى الأحكام المتقدمة ( يعنى : في المواريث ) ، وسماها حدودا ؛ لكونها لا تجوز مجاوزتها ولا يحل تعديها ، " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " في قسمة المواريث وغيرها من الأحكام الشرعية كما يفيده عموم اللفظ ؛ " يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ " إلى أن قال : " وأخرج ابن ماجه عن أنس ؛ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قطع ميراث وارثه ؛ قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة " انتهى ..
فمن تصرف في المواريث عن مجراها الشرعي ، فورَّث غير وارث ، أو حرم الوارث من كل حقه أو بعضه ، أو ساوى بين الرجل والمرأة في الميراث ؛ كما في بعض الأنظمة القانونية الكفرية ؛ مخالفا بذلك حكم الله في جعله للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ فهو كافر مخلد في النار والعياذ بالله ، إلا أن يتوب إلى الله قبل موته ..
إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون النساء والصغار من الميراث ، ويجعلونه للذكور الكبار الذين يركبون الخيل ويحملون السلاح ، فجاء الإسلام بإبطال ذلك ، وقال الله تعالى : " لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا " ، وهذا لدفع ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء والصغار ، وفي قوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " وفي قوله : " وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " إبطال لما عليه بعض الجاهليات المعاصرة من تسوية المرأة بالرجل في الميراث محادة لله ورسوله وتعديا لحدود الله ، فالجاهلية القديمة منعت المرأة من الميراث بالكلية ، والجاهلية المعاصرة أعطتها ما لا تستحقه ، ودين الإسلام أنصفها وأكرمها وأعطاها حقها اللائق بها ، فقاتل الله الكفار والمنافقين والملحدين الذين " يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " .. أسباب الإرث وبيان الورثة
الإرث هو انتقال مال الميت إلى حي بعده حسبما شرعه الله ..
وله أسباب ثلاثة :
أولها : الرحم : أي : القرابة ، وهم قرابة النسب ، قال الله تعالى : " وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ " سواء قربت القرابة من الميت أو بعدت ، إذا لم يكن دونها من يحجبها .
وتشمل أصولا وفروعا وحواشي : فالأصول هم الآباء والأجداد وإن علوا بمحض الذكور ، والفروع هم الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا ، والحواشي هم الإخوة وبنوهم وإن نزلوا والأعمام وإن علوا وبنوهم وإن نزلوا .
والثاني : النكاح : وهو عقد الزوجية الصحيح ، ولو لم يحصل به وطء ولا خلوة ؛ لعموم قوله تعالى : " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ " إلى قوله : " وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ " .
ويتوارث بعقد الزوجية الزوجان من الجانبين ؛ فكل منهما يرث الآخر للآية الكريمة ، ويتوارث به الزوجان أيضا في عدة الطلاق الرجعي ؛ لأن الرجعية زوجة ، وقولهم : " عقد الزوجية الصحيح " : يخرج به العقد غير الصحيح ؛ فلا توارث بالنكاح الفاسد ؛ لأن وجوده كعدمه .
والثالث : ولاء العتاقة ؛ وهو عصوبة ، سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق ، ويورث بها من جانب واحد فقط ، فالمعتق يرث عتيقه دون العكس ، ويخلف المعتق من بعده عصبته بالنفس دون العصبة بالغير أو مع الغير .
والدليل على التوريث بالولاء قوله - صلى الله عليه وسلم - : " الولاء لحمة كلحمة النسب "، رواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم وصححه ، فشبه الولاء بالنسب ، والنسب يورث به ؛ فكذا الولاء ، وهذا بالإجماع ، وفي " الصحيحين " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما الولاء لمن أعتق " .
أقسام الورثة باعتبار الجنس :
الورثة ينقسمون باعتبار الجنس إلى ذكور وإناث
والوارثون من الذكور عشرة :
- الابن وابنه وإن نزل بمحض الذكور ؛ لقوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " وابن الابن يعد ابنا ؛ لقوله تعالى : " يَابَنِي آدَمَ " " يَابَنِي إِسْرَائِيلَ " .
- والأب وأبوه وإن علا بمحض الذكور ؛ كأبي الأب وأبي الجد ؛ لقوله تعالى : " وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ " والجد أب ، وقد أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - السدس .
- والأخ مطلقا ، سواء كان شقيقا أو لأب أو لأم ؛ لقوله تعالى : " يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ "الآية ؛ فهذه في الأخوة لغير الأم ، وقال في الأخوة لأم : " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ".
- وابن الأخ لغير أم ، أما ابن الأخ لأم ؛ فلا يرث ؛ لأنه من ذوي الأرحام .
- والعم لغير أم وابنه وإن نزل بمحض الذكور ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ألحقوا الفرائض بأهلها ؛ فما بقي ؛ فلأولى رجل ذكر " .
- والزوج ؛ لقوله تعالى : " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ " .
- والعاشر ذو الولاء ، وهو المعتِق أو من يحل محله ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " الولاء لحمة كلحمة النسب " وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " وإنما الولاء لمن أعتق " .
والوارثات من النساء سبع :
- البنت وبنت الابن وإن نزل أبوها بمحض الذكور ؛ لقوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ " .
- والأم والجدة ؛ لقوله تعالى : " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ " وعن بريدة مرفوعا : " للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم " ، رواه أبو داود .
- والأخت مطلقا شقيقة أو لأب أو لأم ؛ لقوله تعالى : " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ " ولقوله تعالى : " إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ " إلى قوله : " فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ " .
- والزوجة ، لقوله تعالى : " وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ " ... الآية .
- والمعتقة ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الولاء لمن أعتق " .
هذه جملة الوارثين من الذكور والإناث .
وعند التفصيل يبلغ الرجال خمسة عشر وتبلغ الإناث عشرا ، ويعرف ذلك بالتأمل والرجوع إلى المصادر . والله تعالى أعلم .
أنواع الورثة باعتبار الإرث :
والورثة باعتبار الإرث ثلاثة أنواع نوع يرث بالفرض ، ونوع يرث بالتعصيب ، ونوع يرث لكونه من ذوي الأرحام .
فصاحب الفرض : هو الذي يأخذ نصيبا مقدرا شرعا لا يزيد إلا بالرد ولا ينقص إلا بالعول .
والعصبة : هم الذين يرثون بلا تقدير .
- وذوو الأرحام هم الذين يرثون عند عدم أصحاب الفروض غير الزوجين وعدم العصبات .
وذوو الفروض عشرة أصناف : الزوجان ، والأبوان ، والجد ، والبنات ، وبنات الابن ، والأخوات من كل جهة ، والأخوة من الأم ذكورا وإناثا .
ميراث الأزواج والزوجات
للزوج النصف مع عدم الولد وولد الابن ، والربع مع وجوب الولد أو ولد الابن :
لقوله تعالى : " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ " .
وللزوجة فأكثر الربع مع عدم الفرع الوارث ، والثمن مع وجوده :
لقوله تعالى : " وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ " .
والمراد بالفرع الوارث أولاد الميت وأولاد بنيه .
ميراث الآباء والأجداد
ولكل من الأب والجد : السدس فرضا مع ذكور الولد وولد الابن ؛ لقوله تعالى : " وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ".
ويرث الأب والجد بالتعصيب مع عدم الولد وولد الابن ، لقوله تعالى : " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ "، فأضاف الميراث إلى الأبوين الأب والأم ، وقدَّر نصيب الأم ، ولم يقدر نصيب الأب ، فكان له الباقي تعصيبا .
ويرث الأب والجد بالفرض والتعصيب معا مع إناث الأولاد وأولاد البنين ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " ؛ أي : فلأقرب رجل من الميت ، والأب هو أقرب ذكر بعد الابن وابنه .
فتلخص أن للأب ثلاث حالات :
الحالة الأولى : يرث فيها بالفرض فقط ، وذلك مع وجود ابن الميت لصلبه أو ابن ابنه وإن نزل .
والحالة الثانية : يرث فيها بالتعصيب فقط مع عدم الولد وولد الابن .
والحالة الثالثة : يرث فيها بالفرض والتعصيب معا مع وجود الإناث من ولد الميت أو من ولد ابنه .
والجد مثل الأب في مثل هذه الحالات ؛ لتناول النصوص له إذا عدم الأب ، ويزيد الجد على الأب حالة رابعة ، وهي ما إذا وجد معه إخوة أشقاء أو لأب ، فقد اختلف في هذه الحالة : هل يكون فيها مثل الأب يحجب الإخوة أو لا يحجبهم ويشاركونه في الميراث ويكون كواحد منهم يتقاسمون المال أو ما أبقت الفروض على كيفيات معروفة في هذا الباب ؛ لأن الجد والإخوة تساووا في الإدلاء بالأب ؛ فالجد أبوه ، والإخوة أبناؤه ، فيتساوون في الميراث ؛ كما ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة ؛ كعلي ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وهو قول الإمام مالك والشافعي وصاحبي أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه ، واستدلوا بأدلة وتوجيهات وأقيسة كثيرة مذكورة في الكتب المطولة .
والقول الثاني : أن الجد يسقط الإخوة كما يسقطهم الأب ، وذهب إلى ذلك أبو بكر الصديق وابن عباس وابن الزبير ، وروي عن عثمان وعائشة وأبي بن كعب وجابر وغيرهم ، وهو قول الإمام أبي حنيفة ، ورواية عن الإمام أحمد ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحم الله الجميع ، ولهم أدلة كثيرة ، وهذا القول أقرب إلى الصواب من القول الأول ، والله أعلم .
للأم ثلاث حالات :
الحالة الأولى : ترث فيها السدس ، وذلك مع وجود الفرع الوارث من أولاد الميت أو أولاد بنيه ، أو مع وجود اثنين فأكثر من الإخوة ؛ لقوله تعالى : " وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ " إلى قوله تعالى : " فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ " .
الحالة الثانية : ترث فيها الثلث ، وذلك مع عدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين ، وعدم الجمع من الإخوة والأخوات ؛ لقوله تعالى : " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ " .
الحالة الثالثة : ترث فيها ثلث الباقي إذا اجتمع زوج وأب وأم أو زوجة وأب وأم ، وتسمى هاتان المسألتان بالعمريتين ؛ لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قضى فيهما أن للأم ثلث الباقي بعد الموجود من الزوجين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " وقوله أصوب ؛ لأن الله إنما أعطى الأم الثلث إذا ورثه أبواه ؛ يعني : في قوله تعالى : " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ " والباقي بعد فرض الزوجين هو ميراث الأبوين يقتسمانه كما اقتسما الأصل ، وكما لو كان على الميت دين أو وصية فإنهما يقتسمان ما بقي أثلاثا " .ميراث الجدة
المراد بالجدة هنا الجدة الصحيحة ، وهي كل جدة أدلت بمحض الإناث ؛ كأم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص ؛ وكأم الأب وكل جدة أدلت بمحض الذكور ؛ كأم أبي الأب وأم أبي أبي الأب ، أو أدلت بإناث إلى ذكور ، كأم أم الأب ، وأم أم أم أبي الأب ، أما الجدة المدلية بذكور إلى إناث كأم أبي الأم وأم أبي أم الأب فهذه لا ترث ؛ لأنها من ذوي الأرحام .
فضابط الجدة الوارثة هي من أدلت بإناث خلص أو بذكور خلص أو بإناث إلى ذكور ، وضابط الجدة غير الوارثة هي : من أدلت بذكور إلى إناث ، وبعبارة أخرى : من أدلت بذكر بين أنثيين هي إحداهما .
ودليل توريث الجدة السنة والإجماع :
- فأما السنة ؛ فمنها حديث قبيصة بن ذؤيب ؛ قال : " جاءت الجدة إلى أبي بكر ، فسألته ميراثها ، فقال : ما لك في كتاب الله شيء ، وما علمت لك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فارجعي حتى أسأل الناس . فسأل الناس ، فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس . فقال : هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة ، فأنفذه لها أبو بكر " قال : " ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر ، فسألته ميراثها ، فقال : ما لك في كتاب الله شيء ، ولكن هو ذاك السدس ، فإن اجتمعتما فهو بينكما ، وأيكما خلت فهو لها " . رواه الخمسة إلا النسائي ، وصححه الترمذي .
وعن بريدة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم " رواه أبو داود ، وصححه ابن السكن ، وابن خزيمة ، وابن الجارود .
فهذان الحديثان يفيدان استحقاق الجدة السدس ، وهي - كما قال الصديق وعمر - رضي الله عنهما - ليس لها في كتاب الله شيء ؛ لأن الأم المذكورة في كتاب الله مقيدة بقيود توجب اختصاص الحكم بالأم الدنيا ، فالجدة وإن سميت أما ؛ لم تدخل في لفظ الأم المذكورة في الفرائض ، وإن دخلت في لفظ الأمهات في قوله تعالى : " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ " ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس ؛ فثبت ميراثها إذًا بالسنة .
وكذا ثبت ميراثها بإجماع العلماء ؛ فلا خلاف بين أهل العلم في توريث أم الأم ، وأم الأب ، واختلفوا فيما عداهما ؛ فورث ابن عباس وجماعة من العلماء الجدات وإن كثرن إذا كن في درجة واحدة ؛ إلا من أدلت بأب غير وارث ؛ كأم أبي الأم ، وورث بعضهم ثلاث جدات فقط هن أم الأم وأم الأب وأم الجد أبي الأب
ويشترط لتوريث الجدة عدم وجود الأم ؛ لأن الجدة تدلي بها ، ومن أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة ، إلا ما استثني ، وهذا بإجماع أهل العلم أن الأم تحجب الجدة من جميع الجهات .
كيفية توريث الجدات :
إذا انفردت واحدة من الجدات ، ولم يكن دونها أم ؛ أخذت السدس كما سبق ، ليس لها أكثر منه ، والقول بأن لها الثلث عند عدم الولد وعدم الجمع من الإخوة كالأم في ذلك قول شاذ لا يعوَّل عليه .
وإذا وجد جمع من الجدات : فإن تساوين في الدرجة ؛ فإنهن يشتركن في السدس ؛ لأن الصحابة شركوا بينهن ؛ ولأنهن ذوات عدد ، لا يشاركهن ذكر ، فاستوى كثيرهن وواحدتهن كالزوجات ، ولعدم المرجح لإحداهن .
ومن قربت منهن إلى الميت ؛ فالسدس لها وحدها ، سواء كانت من جهة الأم أو من جهة الأب ، وتسقط البعدى ؛ لأنهن أمهات يرثن ميراثا واحدا ، فإذا اجتمعن مع اختلاف الدرجة ، فالميراث لأقربهن .
وترث الجدة أم الأب مع وجود الأب ، وترث الجدة أم الجد مع وجود الجد ، ولا تسقط بمن أدلت في هذه الحالة ؛ على خلاف القاعدة : أن من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة ؛ لما روى ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال في الجدة مع ابنها : " إنها أول جدة أطعمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سدسا مع ابنها وابنها حي " رواه الترمذي ، والعلة في ذلك أنها لا ترث ميراث من أدلت به حتى تسقط به إذا وجد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " وقول من قال : من أدلى بشخص سقط به : باطل طردا وعكسا ، باطل طردا بولد الأم مع الأم ، وعكسا بولد الابن مع عمهم ، وولد الأخ مع عمهم ، وأمثال ذلك مما فيه سقوط شخص بشخص لم يدل به ، وإنما العلة أنها ترث ميراثه ، فكل من ورث ميراث شخص سقط به إذا كان أقرب منه ، والجدات يقمن مقام الأم فيسقطن بها ، وإن لم يدلين بها ، والله أعلم " . في ميراث البنات
البنت الواحدة تأخذ النصف بشرطين :
الشرط الأول : انفرادها عمن يشاركها من أخواتها .
والشرط الثاني : انفرادها عمن يعصبها من إخوتها .
وذلك لقوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ " فقوله : " وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً " يؤخذ منه اشتراط انفرادها عمن يشاركها من أخواتها ، وقوله تعالى : " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " يؤخذ منه اشتراط عدم المعصب .
وبنت الابن تأخذ النصف بثلاثة شروط :
الشرط الأول : عدم المعصب لها ، وهو أخوها ، أو ابن عمها الذي في درجتها .
والشرط الثاني : عدم المشارك لها ؛ وهو أختها ، أو بنت عمها التي في درجتها .
والشرط الثالث : عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منها .
والبنات اثنتان فأكثر تأخذان الثلثين ، وذلك بشرطين :
الشرط الأول : أن يكن اثنتين فأكثر .
والشرط الثاني : عدم المعصب ، وهو ابن الميت لصلبه ، وذلك لقوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ " فاستفيد من قوله : " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " اشتراط عدم المعصب في ميراث البنات الثلثين ، واستفيد من قوله تعالى : " فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ " اشتراط كونهن اثنتين فأكثر .
لكن قد أشكل لفظ : " فَوْقَ اثْنَتَيْنِ " في الآية الكريمة ؛ إذ ظاهره أن البنتين لا تأخذان الثلثين ، وإنما تأخذه الثلاث فأكثر ؛ كما هو مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - والجمهور من أهل العلم على خلافه ، وأن البنتين تأخذان الثلثين بدليل حديث جابر - رضي الله عنه - قال : " جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنتيها من سعد ، فقالت : يا رسول الله ! هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا ، وإن عمهما أخذ مالهما ، فلم يدع لهما مالا ، ولا تنكحان إلا بمال . فقال : ( يقضي الله في ذلك ) فنزلت آية الميراث ، فأرسل رسول الله إلى عمهما ، فقال : ( أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأمهما الثمن ، وما بقي فهو لك " رواه الخمسة إلا النسائي ، وحسنه الترمذي ، وهو يدل على أن للبنتين الثلثين ، وهو نص في محل النزاع ، وتفسير من النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى : " فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ " وبيان لمعناها ، لا سيما وأن سبب نزولها قصة ابنتي سعد بن الربيع ، وسؤال أمهما عن شأنهما ، وحين نزلت أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما .
ويجاب عن لفظة فَوْقَ اثْنَتَيْنِ التي استدل بها من رأى عدم توريث البنتين الثلثين حتى يكن ثلاثا فأكثر بأجوبة :
منها : أن هذا من باب مطابقة الكلام بعضه لبعض ؛ لأنه سبحانه وتعالى قال : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ " فالضمير في ( كن ) مجموع يطابق الأولاد إن كان الأولاد نساء ؛ فاجتمع في الآية الكريمة ثلاثة أمور :
لفظ ( الأولاد ) وهو جمع ، وضمير ( كن ) وهو ضمير جمع ، و( نساء ) وهو اسم جمع ؛ فناسب التعبير بفوق اثنتين .
ومن الأجوبة عن هذا الإشكال : أن الله تعالى جعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإذا أخذ الذكر الثلثين والأنثى الثلث ؛ علم قطعا أن حظ الأنثيين الثلثان ؛ لأنه إذا كان للواحدة مع الذكر الثلث ؛ فلأن يكون لها مع الأنثى الثلث أولى وأحرى ، وهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى ، فإذا كان سبحانه قد ذكر ميراث الواحدة نصا وميراث الثنتين تنبيها ؛ فإن كلمة " فَوْقَ اثْنَتَيْنِ " تفيد أن الفرض لا يزيد بزيادة العدد ، حتى ولو كن فوق اثنتين ، والله أعلم .
وبنتا الابن مثل بنات الصلب في استحقاقهن الثلثين ، سواء كانتا أختين أو بنتي عم متحاذيتين ؛ فتأخذان الثلثين قياسا على بنتي الصلب ؛ لأن بنت الابن كالبنت ، لكن لا بد لهما من توفر ثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكن اثنتين فأكثر .
الشرط الثاني : عدم المعصب ، وهو ابن الابن ، سواء كان أخا لهما ، أو كان ابن عم لهما في درجتهما .
الشرط الثالث : عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منهما من ابن صلب ، أو ابن ابن ، أو بنات صلب ، أو بنات ابن واحدة فأكثر ، والله أعلم . ميراث الأخوات الشقائق
قد ذكر الله سبحانه وتعالى ميراث الأخوات الشقائق والأخوات لأب مع الإخوة لغير أم واحدتهن وجماعتهن ، بقوله في آخر سورة النساء : " يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " وذكر ميراث الأخوات لأم واحدة كانت أو أكثر مع الإخوة لأم بقوله تعالى : " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ " في أول السورة .
فالأخت الشقيقة تأخذ النصف بأربعة شروط :
الشرط الأول : عدم المعصب لها ، وهو الأخ الشقيق ؛ لقوله تعالى : " وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ".
الشرط الثاني : عدم المشارك لها ، وهو الأخت الشقيقة ؛ لقوله تعالى : " إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ".
الشرط الثالث : عدم الأصل من الذكور الوارثين ، والمراد به الأب والجد من قبل الأب على الصحيح .
الشرط الرابع : عدم الفرع الوارث ، وهو الابن وابن الابن وإن نزل ، والبنت وبنت الابن وإن نزل أبوها .
ودليل هذين الشرطين أن الإخوة والأخوات إنما يرثون في مسألة الكلالة ، والكلالة هو من لا والد له ولا ولد .
والأخت لأب تأخذ النصف بخمسة شروط ، وهي الشروط الأربعة السابقة في حق الأخت الشقيقة ، والخامس عدم الأخ الشقيق والأخت الشقيقة ؛ لأن الموجود منهما أقوى منها .
والأختان الشقيقتان فأكثر يأخذن الثلثين ؛ لقوله تعالى : " فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ " وإنما يأخذن الثلثين بأربعة شروط :
الشرط الأول : أن يكن اثنتين فأكثر ، للآية الكريمة : " فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ ".
الشرط الثاني : عدم المعصب لهما ، وهو الأخ الشقيق فأكثر ؛ لقوله تعالى : " وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " .
الشرط الثالث : عدم الفرع الوارث ، وهم الأولاد وأولاد البنين ؛ لقوله تعالى : " إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ " الآية .
الشرط الرابع : عدم الأصل من الذكور الوارث ، وهو الأب بالإجماع ، والجد على الصحيح .
والأخوات لأب ثنتان فأكثر يأخذن الثلثين للإجماع على دخولهن في عموم آية الكلالة : "إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ " لكن لا يأخذن الثلثين إلا إذا تحقق خمسة شروط : الشروط الأربعة السابقة في الشقائق ، والشرط الخامس : عدم الأشقاء والشقائق ، فلو كان هناك من الأشقاء - واحدا كان أو أكثر ، ذكرا كان أو أنثى - لم ترث الأخوات لأب الثلثين ، بل يحجبن بالذكر وبالشقيقتين ، إلا إذا كان معهن من يعصبهن ، وأما إذا كان الموجود شقيقة واحدة ، فإن للأخت أو الأخوات لأب السدس تكملة الثلثين .
وإذا وجد بنت واحدة وبنت ابن فأكثر ؛ فللبنت النصف ، ولبنت الابن فأكثر معها السدس ؛ تكملة الثلثين ، لقضاء ابن مسعود - رضي الله عنه - بذلك ، وقوله : إنه قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ، رواه البخاري ، ولأنه قد اجتمع من بنات الميت أكثر من واحدة ، فكان لهن الثلثان ؛ لقوله تعالى : " فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ " واختصت بنت الصلب بالنصف لأنها أقرب ، فبقي لبنت الابن فأكثر السدس ؛ تكملة الثلثين ، وذلك بعد توفر هذين الشرطين :
الشرط الأول : عدم المعصب لها ، وهو ابن الابن المساوي لها في الدرجة ، سواء كان أخا لها أو ابن عم .
الشرط الثاني : عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منها سوى صاحبة النصف ؛ فإنها لا تأخذ السدس إلا معها .
والأخت لأب مع الأخت الشقيقة تأخذ السدس تكملة الثلثين ، والدليل على ذلك إجماع العلماء كما حكاه غير واحد ، وقياسها على بنت الابن مع بنت الصلب ، لكن لا تأخذ الأخت لأب السدس إلا بشرطين :
الشرط الأول : أن تكون مع أخت شقيقة وارثة النصف فرضا ، فلو تعددت الشقيقات أسقطن الأخت لأب ؛ لاستكمالهن الثلثين .
الشرط الثاني : عدم المعصب لها ، وهو أخوها ، فإن كان معها أخوها فالباقي بعد الشقيقة لهما تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين ، والله أعلم .
ميراث الأخوات مع البنات وميراث الإخوة لأم
إذا وجد بنت فأكثر مع أخت شقيقة أو لأب فأكثر ، فإن الموجود من البنات واحدة فأكثر يأخذ نصيبه ، ثم إن جمهور العلماء من الصحابة والتابعين يرون أن الأخوات من الأبوين أو من الأب يكن عصبة مع البنات ( وهو ما يسمى لدى الفرضيين بالتعصيب مع الغير ) ، فيأخذن ما فضل عن نصيب الموجود من البنات أو بنات الابن ، بدليل الحديث الذي رواه البخاري وغيره " أن أبا موسى سئل عن ابنة وبنت ابن وأخت ؛ فقال : للابنة النصف ، وللأخت النصف ، وقال للسائل : ائت ابن مسعود . فسئل ابن مسعود ، وأخبر بقول أبي موسى ، فقال : لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين ، أقضي فيها بما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - : للبنت النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت " ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن الأخت مع البنت عصبة تأخذ الباقي بعد فرضها وفرض ابنة الابن .
ويرث الواحد من الإخوة لأم السدس سواء كان ذكرا أم أنثى ، ويرث الاثنين فأكثر منهم الثلث بينهم بالسوية الذكر والأنثى سواء ؛ لقوله تعالى : " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ".
وقد أجمع العلماء على أن المراد بالإخوة في هذه الآية الكريمة الإخوة لأم ، وقرأها ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص : ( وله أخ أو أخت من أم ) .
وقد ذكرهم الله تعالى من غير تفضيل ، فاقتضى ذلك تسوية الأنثى بالذكر منهم .
قال الإمام ابن القيم : " وهو القياس الصحيح ، والميزان الموافق لدلالة القرآن وفهم أكابر الصحاب " .
ويشترط لاستحقاق ولد الأم السدس ثلاثة شروط :
الشرط الأول : عدم الفرع الوارث .
الشرط الثاني : عدم الأصل من الذكور الوارثين .
الشرط الثالث : انفراده .
ويشترط لاستحقاق الإخوة لأم الثلث ثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكونوا اثنين فأكثر ؛ ذكرين كانوا أو أنثيين ، أو ذكرا وأنثى ، أو أكثر من ذلك .
الشرط الثاني : عدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا .
الشرط الثالث : عدم الأصل من الذكور الوارثين وهو الأب والجد من قبله .
ويختص الإخوة لأم بأحكام خمسة :
الحكم الأول والثاني : أنه لا يفضل ذكرهم على أنثاهم في الميراث اجتماعا وانفرادا ؛ لقوله تعالى في حالة الانفراد : " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ " وقوله تعالى في حالة الاجتماع : " فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ".
والكلالة في قول الجمهور : من ليس له ولد ولا والد ، فشرط في توريثهم عدم الولد والوالد ، والولد يشمل الذكر والأنثى ، والوالد يشمل الأب والجد ، وفي قوله تعالى : " فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ " دليل على عدم تفضيل ذكرهم على أنثاهم ؛ لأن الله سبحانه شرك بينهم في الاستحقاق ، والتشريك إذا أطلق اقتضى المساواة ، والحكمة في ذلك - والله أعلم - أنهم يرثون بالرحم المجردة ؛ فالقرابة التي يرثون بها قرابة أنثى فقط ، وهم فيها سواء ؛ فلا معنى لتفضيل ذكرهم على أنثاهم ؛ بخلاف قرابة الأب .
الحكم الثالث : أن ذكرهم يدلي بأنثى ويرث ؛ بخلاف غيرهم في أنه إذا أدلى بأنثى لا يرث ؛ كابن البنت
الحكم الرابع : أنهم يحجبون من أدلوا به نقصانا ؛ أي : أن الأم التي أدلوا بها تحجب بهم من الثلث إلى السدس ؛ بخلاف غيرهم ؛ فإن المدلى به يحجب المدلي .
الحكم الخامس : أنهم يرثون مع من أدلوا به ، فإنهم يرثون مع الأم التي أدلوا بها ، وغيرهم لا يرث مع من أدلى به ، كابن الابن ، فإنه لا يرث مع الابن ، وهذا تشاركهم فيه الجدة أم الأب وأم الجد ؛ فإنها تدلي بابنها وترث معه ، والتحقيق أن الواسطة لا تحجب من أدلى بها إلا إذا كان يخلفها بأخذ نصيبها ، أما إذا كان لا يأخذ نصيبها فإنها لا تحجبه ؛ كما هو الشأن في الإخوة لأم ؛ فإنهم لا يأخذون نصيب الأم عند عدمها ، والجدة أم الأب وأم الجد لا تأخذان نصيبها وإنما ، ترثان بالأمومة خلفا عن الأم ، والله أعلم .
التعصيب
التعصيب لغة : مصدر عصب يعصب تعصيبا فهو معصب ، مأخوذ من العصب ؛ بمعنى : الشد والإحاطة والتقوية ، ومنه العصائب ، وهي العمائم .
والعصبة في الفرائض ( جمع عاصب ) لفظ يطلق على الواحد ، فيقال : زيد عصبة ، ويطلق على الجماعة ، وعصبة الرجل قرابته من جهة أبيه ، سموا عصبة لأنهم عصبوا به ؛ أي : أحاطوا به ، وكل شيء استدار حول شيء فقد عصب به ؛ فالأب طرف ، والابن طرف ، والأخ جانب ، والعم جانب ، وقيل : سموا بذلك لتقوي بعضهم ببعض ، من العصب ، وهو الشد والمنع ؛ فبعضهم يشد بعضا ، ويمنع من تطاول الغير عليه .
والعاصب في اصطلاح الفرضيين هو من يرث بلا تقدير ؛ لأنه إذا انفرد حاز جميع المال ، وإذا كان مع صاحب فرض أخذ ما بقي بعد الفرض ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر " .
وينقسم العصبة إلى ثلاثة أقسام :
عصبة بالنفس ، وعصبة بالغير ، وعصبة مع الغير :
القسم الأول : العصبة بالنفس وهم المجمع على إرثهم من الرجال إلا الزوج والأخ من الأم ، وهم أربعة عشر : الابن ، وابن الابن وإن نزل ، والأب ، والجد من قبل الأب وإن علا ، والأخ الشقيق ، والأخ لأب ، وابناهما وإن نزلا ، والعم الشقيق والعم لأب وإن علوا ، وابناهما وإن نزلا ، والمعتق والمعتقة .
القسم الثاني : العصبة بالغير ، وهم أربعة أصناف :
الأول : البنت فأكثر مع الابن فأكثر .
الثاني : بنت الابن فأكثر مع ابن الابن فأكثر إذا كان في درجتها ، سواء كان أخاها أو ابن عمها ، أو مع ابن الابن الذي هو أنزل منها إذا احتاجت إليه .
ودليل هذين الصنفين من العصبة بالغير قوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " فهذه الآية الكريمة تناولت الأولاد وأولاد الابن .
الثالث : الأخت الشقيقة فأكثر مع الأخ الشقيق فأكثر .
الرابع : الأخت لأب فأكثر مع الأخ لأب فأكثر .
ودليل هذين الصنفين قوله تعالى : " وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " فتناولت الآية الكريمة ولد الأبوين ، وولد الأب .
فهؤلاء الأربعة من الذكور : الابن ، وابن الابن ، والأخ الشقيق ، والأخ لأب ترث معهم أخواتهم عن طريق التعصيب بهم ، أما من عداهم من الذكور فلا ترث أخواتهم معهم شيئا ، وذلك كأبناء الإخوة والأعمام وأبناء الأعمام .
القسم الثالث : العصبة مع الغير ، وهم صنفان :
الأول : الأخت الشقيقة فأكثر مع البنت فأكثر ، أو بنت الابن فأكثر .
الثاني : الأخت لأب فأكثر مع البنت فأكثر ، أو بنت الابن فأكثر ، وهذا قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن الأخوات لأبوين أو لأب عصبة مع البنات أو بنات الابن ، ودليلهم ما رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي : ( أن أبا موسى - رضي الله عنه - سئل عن بنت وبنت ابن وأخت ؛ فقال : للبنت النصف ، وللأخت النصف . وقال للسائل : ائت ابن مسعود . فلما أتى ابن مسعود ، وأخبره بقول أبي موسى ؛ قال : قد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين ، أقضي فيها بما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - : للبنت النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت )
هذا ، والعصبة بالنفس من انفرد منهم حاز جميع المال لقوله تعالى : "وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ " فورث في هذه الآية الأخ جميع مال أخته ، وينفرد العصبة بالنفس بهذا الحكم ، ويشاركون بقية العصبة في أنهم إذا كانوا مع أصحاب الفروض يأخذون ما بقي ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ألحقوا الفرائض بأهلها " ؛ فما بقي فلأولى رجل ذكر وإن لم يبق شيء بعد الفروض سقطوا .
هذا ، وللعصبة جهات ست هي : جهة البنوة ، ثم جهة الأبوة ، ثم جهة الأخوة ، ثم جهة بني الإخوة ، ثم جهة الولاء ، والولاء كما سبق هو عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق ، ودليلها قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الولاء لمن أعتق " .
وإذا اجتمع عاصبان فأكثر ، فلهم حالات أربع :
الأولى : أن يتحدا في الجهة والدرجة والقوة ، وحينئذ يشتركان في الميراث ؛ كالأبناء والإخوة الأشقاء والأعمام .
الثانية : أن يختلفا في الجهة ، فيقدم في الميراث الأقوى جهة ؛ كالابن والأب ، فيقدم الابن في التعصيب على الأب .
الثالثة : أن يتحدا في الجهة ويختلفا في الدرجة ، كما لو اجتمع ابن وابن ابن ، فيقدم الابن على ابن الابن ؛ لأنه أقرب درجة .
الرابعة : أن يتحدا في الجهة والدرجة ويختلفا في القوة ؛ بحيث يكون أحدهما أقوى من الآخر ، فيقدم الأقوى ؛ كما لو اجتمع أخ شقيق وأخ لأب ، فيقدم الأخ الشقيق ؛ لأنه أقوى ؛ لإدلائه بأبوين ، والأخ لأب يدلي بالأب فقط .
عدل سابقا من قبل الشيماء في الإثنين سبتمبر 27, 2010 3:05 pm عدل 1 مرات