هذه لمحات من قصص الصابرين - جعلنا الله وإياكم منهم - ، والتأمل في مثل هذه القصص من أعظم الأسباب المعينة على الصبر
فهذا نوحٌ عليه السلام صبر في دعوته لقومه صبراً عظيماً دام ألف سنة إلا
خمسين عاماً جاهد ودعوة، وصبر على الإيذاء والسخرية، اتهموه بالجنون
والسحر والضلال وهو يقابل ذلك بالصبر حتى قالوا: {لئن لم تنته يا نوح
لتكونن من المرجومين**، وصبر..
إبراهيم تعرض لمحنة عظيمة ويصبر صبر الموحد الموقن بوعد الله، حتى لما
ألقي في النار قال: {حسبي الله ونعم الوكيل**، حتى لما أُمِر بذبح ولده
صبر وهمّ بذبح الولد ، وأخذ السكين وأضطجع الولد استسلاماً لأمر الله،
والله ابتلاه بهذا الأمر فصبر.
وموسى واجه التهديد والإيذاء من قومه وقوم فرعون قبلهم، فصبر على دعوة قومين!.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لما تذكرأخيه موسى: ** يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر**.
إبراهيم لما أُمِر بترك ولده وهو حديث عهد ولادة ، وقد كان عقيماً ، جاءه
اسماعيل بعد سنوات طويلة جداً وهو شيخ كبير، وجاءه الأمر من الله اتركه
وأمه في وادٍ غير ذي زرع!، مانال الخليل هذه المرتبة من شيء قليل، فمضى
ولم يلتفت ولم يتحسر ولم يتردد ، حتى قالت هاجر: لمن تتركنا؟آلله أمرك
بهذا؟ قال: نعم، فرجع للشام ورزقه الله من سارة بإسحاق ومن ورائه يعقوب.
وعيسى عانى من بني إسرائيل من التهم الباطلة، تآمروا على قتله وصلبه وصبر حتى رفعه الله إليه.
وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم كم تعرض للأذى والاضطهاد، قالوا عنه
مجنون ساحر كذاب خائن، وأشد شيء على الصادق أن يتهم بالكذب ,أشد شيء على
العاقل أن يقال عنه مجنون، وأشد شيء على الأمين أن يتهم بالخيانة، وأشد
شيء على المؤمن أن يقال عنه شاعر ساحر به جنّة، وهو أكمل الخلق وأصدقهم
وأعقلهم ، ووضعوا الشوك وأخرجوه من بلده ، وذهب للطائف يعرض نفسه على
القبائل، وأحسّ بالاضطهاد وخرج من مكة لا يدري من الهم لم يستفق إلى في
قرن الثعالب، حتى تآمروا على قتله{ليُثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك**، وقتلوا
بعض أصحابه وعذبوا بعضهم، وأشد شيء على النبي أن يرى أتباعه يضطهدون
ويقتلون أمامه، يمر عليهم فيقول: ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)،
وهكذا صبر صلى الله عليه وسلم حتى أتاه اليقين من ربّه بلّغ الرسالة وأدّى
الأمانة حتى لما ذهب المدينة لا يُظَنّ أن مجالات الصبر قد خفّت لأنه عانى
من المنافقين معاناة عظيمة، يكفي حادثة الإفك، وصبر على كيد اليهود ،
ووضعوا له السم، وكانت نوبات الحمى تنتابه حتى مات في آخر نوبة منها فكان
في ذلك أجله وهكذا أصحابه، بلال ، سمية،صهيب،عمار، مقداد ، أبو بكر،
صهروهم في الشمس وعذبوهم..
وهذا الصحابي خبيب ، يسجن ليقتل ويصلب..
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنبٍ كان في الله مصرعي
المرأة التي قُتِل أبوها وأخوها وزوجها في يوم أحد فصبرت على ما حصل لها
من هذه الأقدار، فماتوا في رفعة الدين ونصرة الدين وجهاد الكفار،
وهكذا سار على هذا المنوال التابعون وتابعو التابعين..
عروة بن الزبير من أفاضل التابعين وأخيار التابعين، كان له ولد اسمه محمد
من أحسن الناس وجهاً، دخل على الوليد في ثياب جميلة فقال الوليد:هكذا تكون
فتيان قريش، ولا دعا بالبركة فقالوا أنه أصابه بالعين،خرج هذا محمد بن
عروة بن الزبير من المجلس فوقع في اصطبل للدواب فلا زالت الدواب تطأه حتى
مات، ثم مباشرة وقعت الآكلة(الغرغرينا)في رجل عروة وقالوا لابد من نشرها
بالمنشار وقطعها حتى لا تسري لأماكن الجسد فيهلك، فنشروها فلما وصل
المنشار إلى القصبة(وط الساق) وضع رأسه على الوسادة فغشي عليه ثم أفاق
والعرق يتحدّر من وجهه وهو يهلل ويكبّر ويذكر الله، فأخذها وجعل يقلبها
ويقبلها في يده وقال: ((أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أنني ما مشيت بك
إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله))، ثم أمر بها فغسلت
وطيبت وكفنت وأمر بها أن تقدم إلى المقبرة، لما جاء من السفر بعد أن بترت
رجله وفقد ولده قال لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ، ولما قالوا: نسقيك
شيئاً يزيل عقلك؟قال: إنما ابتلاني ليرى صبري، ورفض.
أبوقلابة ممن ابتلي في بدنه ودينه،وأريدعلى القضاء وهرب إلى الشام فمات بعريضة وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك حامد شاكر.
أحمد بن بنصر الخزاعي من كبار علماء السلف كان قوالاً بالحق آمراً
بالمعروف، نهاءً عن المنكر ،ثبت في محنة خلق القرآن، حملوه إلى سامراء
فجلس مقيداً وعرض عليه الرجوع عن القول بأن القرآن كلام الله المنزل وعرض
عليه القول بخلق القرآن فرفض ، وقاموا عليه بحرب نفسية وجسدية..، فيقوم
القاضي عند خليفة السوء فيقول إنه حلال الدم، ووافقه من كان حاضراً، وأحمد
بن أبي دؤاد قال شيخ كبير ، يتظاهر بالشفقة عليه، فقال الخليفة:ما أراه
إلا مؤدياً لكفره فأخذ السيف وقال إني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر..!، فضرب
به عنقه بعد أن مدوا رأسه بحبل، ونصب رأسه بالجانب الشرقي من بغداد، يقول
أحد أهل العلم جعفر بن محمد الصائغ : رأيت أحمد بن نصر الخزاعي حين قُتِل
قال رأسه لا إله إلا الله وهذا من كراماته رحمه الله، قال الإمام أحمد
رحمه الله عنه: جاد بنفسه في سبيل الله.
والإمام أحمد نفسه كيف صبر في محنة خلق القرآن؟، حُمِل هو ومحمد بن نوح
وهو شاب وليس عالماً لكن صبر مع الإمام أحمد ، فحُمِل إلى المأمون، يشاء
الله أن محمد بن نوح يمرض ويوصي الإمام أحمد: أنت إمام وأنا أموت ولا أحد
يأبه لي، فاصبر..، ويموت محمد في الطريق، ويؤخذ الإمام أحمد رحمه الله
مقيد ، ودخل عليه بعض الناس قبل الدخول على الخليفة ( هناك أحاديث في
التقية والمرء عند الشدة يمكن أن يورِّي حتى تمضي العاصفة)، قال: كيف
تصنعون بحديث خبّاب؟ إنه من كان قبلكم يُنشَر أحدهم بالمنشار ثم لا يصده
ذلك عن دينه فيئسوا منه وتركوه، وقال اللهم لا تريني وجه المأمون،فمات
المأمون قبل أن يصل أحمد، ووصل الخليفة الذي بعده والمحنة مازالت مستمرة،
فيقول له: يا أحمد إنها والله نفسك ، إنه لا يقتلك بالسيف ولكن يضربك
ضرباً بعد ضرب حتى تموت ، قال : ناظَر ابن أبي دؤاد، فأسكت، هاتوا شيء من
القرآن أقول به، هاتوا شيء من السنة أقول به فلا يأتون بدليل، يقول
الخليفة لأحمد :تعرف صالح الرشيدي؟،قال :سمعت باسمه، قال:كان مؤدبي،
فسألته عن القرآن فخالفني، ولما خالفني وأصر على أن القرآن غير مخلوق
أُمِرت به فوطيء وسُحِبَ حتى مات،
قال: هاتوا العقابين والسياط، قال:اءتوني بغيرها، ثم قال الخليفة للجلادين
: تقدموا واضربوه ، وربطوا الإمام أحمد، وكل فرد منهم يضرب سوطين و بأقوى
ما عنده ويقول الخليفة للجلاد: شدّ يداً قطع الله يدك..،لينال أحمد رحمه
الله أعظم العذاب بالضرب على أيديهم، ثم يقول الخليفة علامَ تقتل نفسك إني
عليك لشفيق وجعل ذلك القائم على رأسه الحارس ينخسه بالسيف، وذاك يقول ويحك
يا أحمد ما أجبتني ، أجبني إلى أي شيء يكون لك فيه فرج حتى أطلقك فيقول:
يا أمير المؤمنين أعطني شيئاً من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ثم يأتي الجلاد ويضرب وهكذا تستمر عملية الضرب حتى قال ذهب
عقلي فأفقت والأقياد في يدي فقال لي رجل كببناك على وجهك وجعلنا فوقك
حصيراً ووطئنا عليك فقال ماشعرت بذلك، أتوني بأكل فقلت لا أفطر وكان
صائماً، ثم جاؤوا به والدم يسيل في ثوبه فصلى فقال أحدهم: صليت والدم يسيل
في ثوبك؟ قال أحمد:صلى عمر وجرحه يثعب دماً، ثم مكث في السجن ثم خُلّي عنه
بعد 28 شهراً، ثم جُعِل في الإقامة الجبرية، في بيته،
وليس هناك أصعب على العالم من أن يتوقف عن نشر العلم،
سئل أحدهم عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: رجل هانت عليه نفسه في سبيل الله فبذلها كما هانت على بلال نفسه، لولا أحمد لذهب الإسلام.
فيا ضعيف العزم الطريق طويل..تعب فيه آدم.. وجاهد فيه نوح.. وألقي في
النار إبراهيم.. واضطجع للذبح إسماعيل.. وشق بالمنشار زكريا وذبح الحصور
يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود، واتهم بالسحر والجنون
نبي الله الكريم وكسرت رباعيته وشج رأسه ووجهه وقُتِل عمر مطعوناً وذو
النورين علي والحسين وسعيد بن جبير وعذب ابن المسيب ومالك..، فالشاهد أنه
في النهاية لا سبيل إلا الصبر..
ولذلك يقول عمر رضي الله عنه : (( أدركنا أفضل عيشنا بالصبر))،يعني ما
طابت الحياة إلا بالصبر مع مافيها من المنغصات والشدائد، فهو العمل القلبي
الذي تطيب معه الحياة ولا تطيب بدونه، ولذلك ينبغي على العبد أن لا يفعل
شيئاً ينافي الصبر ، مثل شكوى الخالق للمخلوق والتبرم والتضجر فإما أن
يخبر الإنسان الطبيب بعلته ليداويه فلا بأس..
والأنين .. الألم .. ما يحدث من صوت من المريض المتألم..، هناك أنين استراحة وتفريح فلا يكره، وأنين شكوى فيكره ففيه تفصيله..
ومما ينافي الصبر ما يحدث من النائحات وغيرهم وحتى من الرجال الآن من لطم
الرأس والخد و ضرب الوجه باليدين والكفين والنياحة.. واويلاه.. واثبوراه..
ولذلك فإن المسلم عليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يسلك سبيل
الصابرين، نسأل الله عزوجل أن يجعلنا منهم، وأن يرزقنا هذا الخلق الكريم،
إنه جواد كريم..
فهذا نوحٌ عليه السلام صبر في دعوته لقومه صبراً عظيماً دام ألف سنة إلا
خمسين عاماً جاهد ودعوة، وصبر على الإيذاء والسخرية، اتهموه بالجنون
والسحر والضلال وهو يقابل ذلك بالصبر حتى قالوا: {لئن لم تنته يا نوح
لتكونن من المرجومين**، وصبر..
إبراهيم تعرض لمحنة عظيمة ويصبر صبر الموحد الموقن بوعد الله، حتى لما
ألقي في النار قال: {حسبي الله ونعم الوكيل**، حتى لما أُمِر بذبح ولده
صبر وهمّ بذبح الولد ، وأخذ السكين وأضطجع الولد استسلاماً لأمر الله،
والله ابتلاه بهذا الأمر فصبر.
وموسى واجه التهديد والإيذاء من قومه وقوم فرعون قبلهم، فصبر على دعوة قومين!.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لما تذكرأخيه موسى: ** يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر**.
إبراهيم لما أُمِر بترك ولده وهو حديث عهد ولادة ، وقد كان عقيماً ، جاءه
اسماعيل بعد سنوات طويلة جداً وهو شيخ كبير، وجاءه الأمر من الله اتركه
وأمه في وادٍ غير ذي زرع!، مانال الخليل هذه المرتبة من شيء قليل، فمضى
ولم يلتفت ولم يتحسر ولم يتردد ، حتى قالت هاجر: لمن تتركنا؟آلله أمرك
بهذا؟ قال: نعم، فرجع للشام ورزقه الله من سارة بإسحاق ومن ورائه يعقوب.
وعيسى عانى من بني إسرائيل من التهم الباطلة، تآمروا على قتله وصلبه وصبر حتى رفعه الله إليه.
وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم كم تعرض للأذى والاضطهاد، قالوا عنه
مجنون ساحر كذاب خائن، وأشد شيء على الصادق أن يتهم بالكذب ,أشد شيء على
العاقل أن يقال عنه مجنون، وأشد شيء على الأمين أن يتهم بالخيانة، وأشد
شيء على المؤمن أن يقال عنه شاعر ساحر به جنّة، وهو أكمل الخلق وأصدقهم
وأعقلهم ، ووضعوا الشوك وأخرجوه من بلده ، وذهب للطائف يعرض نفسه على
القبائل، وأحسّ بالاضطهاد وخرج من مكة لا يدري من الهم لم يستفق إلى في
قرن الثعالب، حتى تآمروا على قتله{ليُثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك**، وقتلوا
بعض أصحابه وعذبوا بعضهم، وأشد شيء على النبي أن يرى أتباعه يضطهدون
ويقتلون أمامه، يمر عليهم فيقول: ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)،
وهكذا صبر صلى الله عليه وسلم حتى أتاه اليقين من ربّه بلّغ الرسالة وأدّى
الأمانة حتى لما ذهب المدينة لا يُظَنّ أن مجالات الصبر قد خفّت لأنه عانى
من المنافقين معاناة عظيمة، يكفي حادثة الإفك، وصبر على كيد اليهود ،
ووضعوا له السم، وكانت نوبات الحمى تنتابه حتى مات في آخر نوبة منها فكان
في ذلك أجله وهكذا أصحابه، بلال ، سمية،صهيب،عمار، مقداد ، أبو بكر،
صهروهم في الشمس وعذبوهم..
وهذا الصحابي خبيب ، يسجن ليقتل ويصلب..
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنبٍ كان في الله مصرعي
المرأة التي قُتِل أبوها وأخوها وزوجها في يوم أحد فصبرت على ما حصل لها
من هذه الأقدار، فماتوا في رفعة الدين ونصرة الدين وجهاد الكفار،
وهكذا سار على هذا المنوال التابعون وتابعو التابعين..
عروة بن الزبير من أفاضل التابعين وأخيار التابعين، كان له ولد اسمه محمد
من أحسن الناس وجهاً، دخل على الوليد في ثياب جميلة فقال الوليد:هكذا تكون
فتيان قريش، ولا دعا بالبركة فقالوا أنه أصابه بالعين،خرج هذا محمد بن
عروة بن الزبير من المجلس فوقع في اصطبل للدواب فلا زالت الدواب تطأه حتى
مات، ثم مباشرة وقعت الآكلة(الغرغرينا)في رجل عروة وقالوا لابد من نشرها
بالمنشار وقطعها حتى لا تسري لأماكن الجسد فيهلك، فنشروها فلما وصل
المنشار إلى القصبة(وط الساق) وضع رأسه على الوسادة فغشي عليه ثم أفاق
والعرق يتحدّر من وجهه وهو يهلل ويكبّر ويذكر الله، فأخذها وجعل يقلبها
ويقبلها في يده وقال: ((أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أنني ما مشيت بك
إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله))، ثم أمر بها فغسلت
وطيبت وكفنت وأمر بها أن تقدم إلى المقبرة، لما جاء من السفر بعد أن بترت
رجله وفقد ولده قال لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ، ولما قالوا: نسقيك
شيئاً يزيل عقلك؟قال: إنما ابتلاني ليرى صبري، ورفض.
أبوقلابة ممن ابتلي في بدنه ودينه،وأريدعلى القضاء وهرب إلى الشام فمات بعريضة وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك حامد شاكر.
أحمد بن بنصر الخزاعي من كبار علماء السلف كان قوالاً بالحق آمراً
بالمعروف، نهاءً عن المنكر ،ثبت في محنة خلق القرآن، حملوه إلى سامراء
فجلس مقيداً وعرض عليه الرجوع عن القول بأن القرآن كلام الله المنزل وعرض
عليه القول بخلق القرآن فرفض ، وقاموا عليه بحرب نفسية وجسدية..، فيقوم
القاضي عند خليفة السوء فيقول إنه حلال الدم، ووافقه من كان حاضراً، وأحمد
بن أبي دؤاد قال شيخ كبير ، يتظاهر بالشفقة عليه، فقال الخليفة:ما أراه
إلا مؤدياً لكفره فأخذ السيف وقال إني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر..!، فضرب
به عنقه بعد أن مدوا رأسه بحبل، ونصب رأسه بالجانب الشرقي من بغداد، يقول
أحد أهل العلم جعفر بن محمد الصائغ : رأيت أحمد بن نصر الخزاعي حين قُتِل
قال رأسه لا إله إلا الله وهذا من كراماته رحمه الله، قال الإمام أحمد
رحمه الله عنه: جاد بنفسه في سبيل الله.
والإمام أحمد نفسه كيف صبر في محنة خلق القرآن؟، حُمِل هو ومحمد بن نوح
وهو شاب وليس عالماً لكن صبر مع الإمام أحمد ، فحُمِل إلى المأمون، يشاء
الله أن محمد بن نوح يمرض ويوصي الإمام أحمد: أنت إمام وأنا أموت ولا أحد
يأبه لي، فاصبر..، ويموت محمد في الطريق، ويؤخذ الإمام أحمد رحمه الله
مقيد ، ودخل عليه بعض الناس قبل الدخول على الخليفة ( هناك أحاديث في
التقية والمرء عند الشدة يمكن أن يورِّي حتى تمضي العاصفة)، قال: كيف
تصنعون بحديث خبّاب؟ إنه من كان قبلكم يُنشَر أحدهم بالمنشار ثم لا يصده
ذلك عن دينه فيئسوا منه وتركوه، وقال اللهم لا تريني وجه المأمون،فمات
المأمون قبل أن يصل أحمد، ووصل الخليفة الذي بعده والمحنة مازالت مستمرة،
فيقول له: يا أحمد إنها والله نفسك ، إنه لا يقتلك بالسيف ولكن يضربك
ضرباً بعد ضرب حتى تموت ، قال : ناظَر ابن أبي دؤاد، فأسكت، هاتوا شيء من
القرآن أقول به، هاتوا شيء من السنة أقول به فلا يأتون بدليل، يقول
الخليفة لأحمد :تعرف صالح الرشيدي؟،قال :سمعت باسمه، قال:كان مؤدبي،
فسألته عن القرآن فخالفني، ولما خالفني وأصر على أن القرآن غير مخلوق
أُمِرت به فوطيء وسُحِبَ حتى مات،
قال: هاتوا العقابين والسياط، قال:اءتوني بغيرها، ثم قال الخليفة للجلادين
: تقدموا واضربوه ، وربطوا الإمام أحمد، وكل فرد منهم يضرب سوطين و بأقوى
ما عنده ويقول الخليفة للجلاد: شدّ يداً قطع الله يدك..،لينال أحمد رحمه
الله أعظم العذاب بالضرب على أيديهم، ثم يقول الخليفة علامَ تقتل نفسك إني
عليك لشفيق وجعل ذلك القائم على رأسه الحارس ينخسه بالسيف، وذاك يقول ويحك
يا أحمد ما أجبتني ، أجبني إلى أي شيء يكون لك فيه فرج حتى أطلقك فيقول:
يا أمير المؤمنين أعطني شيئاً من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ثم يأتي الجلاد ويضرب وهكذا تستمر عملية الضرب حتى قال ذهب
عقلي فأفقت والأقياد في يدي فقال لي رجل كببناك على وجهك وجعلنا فوقك
حصيراً ووطئنا عليك فقال ماشعرت بذلك، أتوني بأكل فقلت لا أفطر وكان
صائماً، ثم جاؤوا به والدم يسيل في ثوبه فصلى فقال أحدهم: صليت والدم يسيل
في ثوبك؟ قال أحمد:صلى عمر وجرحه يثعب دماً، ثم مكث في السجن ثم خُلّي عنه
بعد 28 شهراً، ثم جُعِل في الإقامة الجبرية، في بيته،
وليس هناك أصعب على العالم من أن يتوقف عن نشر العلم،
سئل أحدهم عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: رجل هانت عليه نفسه في سبيل الله فبذلها كما هانت على بلال نفسه، لولا أحمد لذهب الإسلام.
فيا ضعيف العزم الطريق طويل..تعب فيه آدم.. وجاهد فيه نوح.. وألقي في
النار إبراهيم.. واضطجع للذبح إسماعيل.. وشق بالمنشار زكريا وذبح الحصور
يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود، واتهم بالسحر والجنون
نبي الله الكريم وكسرت رباعيته وشج رأسه ووجهه وقُتِل عمر مطعوناً وذو
النورين علي والحسين وسعيد بن جبير وعذب ابن المسيب ومالك..، فالشاهد أنه
في النهاية لا سبيل إلا الصبر..
ولذلك يقول عمر رضي الله عنه : (( أدركنا أفضل عيشنا بالصبر))،يعني ما
طابت الحياة إلا بالصبر مع مافيها من المنغصات والشدائد، فهو العمل القلبي
الذي تطيب معه الحياة ولا تطيب بدونه، ولذلك ينبغي على العبد أن لا يفعل
شيئاً ينافي الصبر ، مثل شكوى الخالق للمخلوق والتبرم والتضجر فإما أن
يخبر الإنسان الطبيب بعلته ليداويه فلا بأس..
والأنين .. الألم .. ما يحدث من صوت من المريض المتألم..، هناك أنين استراحة وتفريح فلا يكره، وأنين شكوى فيكره ففيه تفصيله..
ومما ينافي الصبر ما يحدث من النائحات وغيرهم وحتى من الرجال الآن من لطم
الرأس والخد و ضرب الوجه باليدين والكفين والنياحة.. واويلاه.. واثبوراه..
ولذلك فإن المسلم عليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يسلك سبيل
الصابرين، نسأل الله عزوجل أن يجعلنا منهم، وأن يرزقنا هذا الخلق الكريم،
إنه جواد كريم..