سورة القـمر
« مكيّة ،
وهي خمس وخمسون آية »
بسم الله الرّحمن الرّحيم
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ
وَانشَقَّ ا لْقَمَرُ (1) وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ
مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْر مُسْتَقِرٌّ
(3)وَلَقَدْ جَاءَهُم مِنَ الاَْنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ
بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ
إِلَى شَيْء نُكُر (6) خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الاَْجْدَاثِ
كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ
الْكَافِرُونَ هذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] .
شرح المفردات الآيات (1 ـ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
جاءهم
من الأنباء ما فيه مزدجر :جاء من أنباء الاُمم وأخبارها وما عرّفناهم به من حوادث
القيامة والحساب، مايكفي لمنعهم عن المعصية، لو كانوا يتّعظون.
يوم يدع الداع
الى شيء نُكر :يوم يدعوهم الداعي الى شيء لم يروا مثله، والمراد من هذه العبارة، هو
أنهم يُدعون إلى الحشر; لينتهوا إلى النار والعذاب.
الأجداث :القبور.
مهطعين
الى الدّاع :ناظرين إلى الدّاعي ، مشدودة أبصارهم إليه .
المعنى العام الآيات (1
ـ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ابتدأ الله سبحانه هذه السورة بانذار مفزع مفاجئ من غير تمهيد ولا تقديم ،
ليكون أبلغ في التأثير والتحذير ، وليحدث هزة نفسية قوية التحريك
والاثارة.
ابتدأها بقوله (اقتربت الساعة وانشق القمر). لقد اقترب يوم القيامة ،
وانتم لاهون مكذبون ، وانشقاق القمر آية ودليل على نبوة محمّد (صلى الله عليه وآله
وسلم) (6) ، فهلا عاد اليكم الوعي ، وعدتم إلى انفسكم للتأمل والتفكير والسير في
مسار النبوة .
غير ان اولئك المخاطبين مصرون على التكذيب ، وان شاهدوا كل دليل
ومعجزة حسية على صدق النبوة ، واتهامها بأنها سحر قوي مهيمن على العقول ، انهم
يتبعون اهواءهم المتحللة المنحرفة التي تدعوهم إلى رفض الإيمان مخافة ان يقودهم إلى
الحق والاستقامة والالتزام السلوكي ، ان مواقفهم تلك لا تغير من الحقيقة شيئاً ،
فكل امر مستقر ، خيراً كان أم شراً ، كل شيء قد اتخذ موقعه في عالم الوجود ،
فالنبوة ثبتت ، وعالم الآخرة قائم موجود ، ولقد قامت عليه الحجة وجاءهم من البيان
والانذار ومواعظ التأريخ ما فيه الكفاية لردعهم ، وإعادتهم إلى الصواب . غير انهم
مصرون ، فما تنفع النذر والمواعظ بعد الحكمة البالغة التي جاءهم بها القرآن .
*
* *
ثمّ يترك القرآن الحديث عن اولئك المجرمين فيخاطب نبيه الكريم محمداً (صلى
الله عليه وآله وسلم)ويدعوه إلى تركهم وعدم الانشغال بالرد على سفههم واقوالهم بعد
إقامة الحجّة والدليل... اتركهم يا محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، اتركهم إلى
ذلك اليوم الرهيب ، يوم يدعوهم الداعي للخروج من القبور إلى شيء نكر ، إلى شيء لم
يألفوه ، ولم يفكروا به ، ولم يتصوّروا أهواله ، وهو العذاب المهين ، فعندها
سيتذكرون ما قلت لهم ... في ذلك اليوم سيخرجون من القبور خروج الجراد من غِيرانها ،
مبعثرين مضطربين ، يصطدم بعضهم ببعض ، لا وجهة لهم ولا نظام، من هول الصدمة وذهول
المفاجأة ، يعلو أبصارهم الذل والمهانة ، وهي مشدودة مصوبة نحو المنادي الذي ينادي
بالبعث والنشور.. وعندها سيواجهون ذلك الموقف المذهل الرهيب ، وسيقول الكافرون هذا
يوم عسير .
* * *
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا
وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ
(10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّماءِ بِمَاء مُنْهَمِر (11) وَفَجَّرْنَا ا
لاَْرْضَ عُيُوناً فَا لْتَقَى ا لْمَاءُ عَلَى أَمْر قَدْ قُدِرَ (12)
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاح وَدُسُر (13)تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً
لِمَن كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَد تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُدَّكِر
(15)فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ا لْقُرْآنَ
لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِر (17)كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي
وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْم نَحْس
مُسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَ نَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْل مُنقَعِر
(20)فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ا لْقُرْآنَ
لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِر (22)كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)فَقَالُوا
أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلاَل وَسُعُر
(24)أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ
(25)سَيَعْلَمُونَ غداً مَنِ ا لْكَذَّابُ ا لاَْشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو
النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ
ا لْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْب مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا
صَـاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30)
إِنَّا أَرْسَـلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِـيمِ ا
لْمُـحْتَظِرِ (31) .
تفسير المفردات الآيات (9 ـ 31)
وازدجر :طُرد وصُد
بالصياح وبالكلام القبيح.
بماء منهمر :بمطر غزير سريع الانصباب.
وحملناه على
ذات ألواح ودسر : وحملنا نوحاً ومن معه على سفينة مصنوعة من الاخشاب المتماسكة
بالمسامير.
ريحاً صرصراً : ريحاً باردة شديدة.
تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل
منقعر : تقتلع الريح الهابّة أولئك الناس المجرمين فترمي بهم كأنهم جذوع نخل انقلعت
من أصولها.
سُعر : جنون.
كذّاب أشر : كذاب شديد الفرح والدهشة بما
عنده.
ونبّئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر :نبئهم يا صالح أن شرب الماء
مقسوم بينهم وبين الناقة، فلكل نصيبه، فيوم لهم، ويوم للناقة، فاذا كان يومهم حضروا
للشرب وحدهم، وإذا كان يوم الناقة حضرت للشرب وحدها.
كهشيم المحتظر :المحتظر:
الذي يبني لغنمه حظيرة، والهشيم: حطام الشجر، والمعنى: انّ قوم صالح صاروا حطاماً
كحطام الشجر الذي يجمعه صانع الحظيرة لبناء حظيرته.
المعنى العام الآيات (9 ـ
31)
بعد هذا التعريف بأحداث قوم نوح ، وما سبقها من أنباء الآخرة ، خاطب البشرية
جميعها بقوله : (ولقد يسّرنا القرآن للذِّكر فهل من مُدّكر ) . ففي هذه الآية
يتحدّث عن وضوح القرآن ويسر فهمه ودلالته لمن أراد ان يهتدي ويستحضر في نفسه عظمة
الله ويكون من الذاكرين . ثمّ يستفهم داعياً للتذكّر ، وحاثّاً على قبول الهدى
بقوله: (فهل من مُدّكر ) ، هل من مفكر متأمل يعرف صدق هذه الدعوة فيؤمن بها
؟
ويعود فيعرض صورة اُخرى من حوادث التاريخ المروعة ، وهي ما حلّ بقوم عاد من
عذاب ودمار بعد ان كذبت هوداً (عليه السلام) ، فكيف كان ذلك العذاب وكيف كان ذلك
النذير ، لقد كان نكالا وفناء لهم ، ودرساً وانذاراً لمن يأتي بعدهم ... لقد
أُهلكوا بريح عاتية عاصفة ، هبّت عليهم في يوم شؤم وانتقام فاستمرت سبع ليال
وثمانية أيام متصلة بعذاب الآخرة ، فما انتقلوا من عذاب الدنيا حتّى حلّوا بعذاب
الآخرة ... ولكي يحضر صورة الحدث مجسّدة أمام الإنسان المخاطب، صوّرهم بصورة جذوع
النخل الذي تقلعه الرياح العواصف من أصوله فتلقي بها مبعثرة هنا وهناك .
وتلك
صورة من صور العذاب والانتقام الدنيوي ، فما أعظمه من عذاب وانتقام .
* *
*
ويُكرِّر الله سبحانه قوله : (ولقد يسّرنا القرآن للذِّكر فهل من مُدّكر )
ليلفت نظر الإنسان الى فضل الله عليه ، إذ سهّل له طريق الهداية والبيان ، ثمّ يسرد
القرآن حوادث الانتقام من ثمود ، وهم قوم النبي صالح الذين استكبروا ورفضوا اتّباع
نبيهم ، لأ نّه بشر مثلهم ، وواحد لا قوّة له ولا أنصار ، وقالوا ان نحن اتبعناه
إنّا إذاً لخاطئون وتائهون عن طريق الصواب ، وفي الآية إيحاء بما تعبّر عنه من
مواقف الجهل والعناد التي ينقلب فيها الحق باطلا . فقد صوروا اتباع دعوة الهدى
والاصلاح ضلالا ، بل ولايفعلها إلاّ من كان في سُعر ، في جنون كما يدعون . . ثمّ
يتساءلون كيف ينزل عليه الوحي من بينهم ، وهم لايطّلعون على ذلك انه اذاً كذاب ،
انهم يريدون ان يسمعوا نزول الوحي ، أو يروا ملك الوحي ليصدقوا . لذا فانهم يتهمون
نبيهم بأنه كذاب متكبر أصابه البطر ، ودعاه ذلك لأن يظهر فيهم كعظيم متفوق عليهم ،
انهم يتهمون نبيهم الذي جاءهم بالاصلاح ورسالة الخلاص .
* * *
بعد أن تحدّث
القرآن عن المعاندين المكذِّبين برسالة القرآن ، ونبوة محمّد (صلى الله عليه وآله
وسلم) ، استعرض لنبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) حوادث من أعماق التاريخ
واجهها الأنبياء قبله ، ليعرِّف بمسار الصراع بين الأنبياء والطواغيت على امتداد
التاريخ البشري ، وليوحي لاجيال المؤمنين ان هذا الصراع سيستمر ولن ينتهي ، فكما
كذّب أهل مكّة نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كذب قوم نوح قبلهم بنبوّة
نبيهم ، واتهموه بالجنون وازدجروه، لقد قابلوه بالكلام السيِّئ القبيح ، وبالتهديد
بالقتل والوعيد ، يرفعون أصواتهم وانفعالاتهم بوجهه ، انّه الاسلوب التافه الأحمق
الذي يتبعه من لا حجة له ولا دليل غير اتهام الدعاة إلى الحق بالجنون واثارة
الشبهات واطلاق الكلام البذيء ، ومواجهة الحوار المعقول بالضجيج والصياح المنفعل
... فلم يجد نوح سبيلا غير اللجوء إلى الله يدعوه بالنصر ، فأجاب الله دعوته
« مكيّة ،
وهي خمس وخمسون آية »
بسم الله الرّحمن الرّحيم
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ
وَانشَقَّ ا لْقَمَرُ (1) وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ
مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْر مُسْتَقِرٌّ
(3)وَلَقَدْ جَاءَهُم مِنَ الاَْنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ
بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ
إِلَى شَيْء نُكُر (6) خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الاَْجْدَاثِ
كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ
الْكَافِرُونَ هذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] .
شرح المفردات الآيات (1 ـ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
جاءهم
من الأنباء ما فيه مزدجر :جاء من أنباء الاُمم وأخبارها وما عرّفناهم به من حوادث
القيامة والحساب، مايكفي لمنعهم عن المعصية، لو كانوا يتّعظون.
يوم يدع الداع
الى شيء نُكر :يوم يدعوهم الداعي الى شيء لم يروا مثله، والمراد من هذه العبارة، هو
أنهم يُدعون إلى الحشر; لينتهوا إلى النار والعذاب.
الأجداث :القبور.
مهطعين
الى الدّاع :ناظرين إلى الدّاعي ، مشدودة أبصارهم إليه .
المعنى العام الآيات (1
ـ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ابتدأ الله سبحانه هذه السورة بانذار مفزع مفاجئ من غير تمهيد ولا تقديم ،
ليكون أبلغ في التأثير والتحذير ، وليحدث هزة نفسية قوية التحريك
والاثارة.
ابتدأها بقوله (اقتربت الساعة وانشق القمر). لقد اقترب يوم القيامة ،
وانتم لاهون مكذبون ، وانشقاق القمر آية ودليل على نبوة محمّد (صلى الله عليه وآله
وسلم) (6) ، فهلا عاد اليكم الوعي ، وعدتم إلى انفسكم للتأمل والتفكير والسير في
مسار النبوة .
غير ان اولئك المخاطبين مصرون على التكذيب ، وان شاهدوا كل دليل
ومعجزة حسية على صدق النبوة ، واتهامها بأنها سحر قوي مهيمن على العقول ، انهم
يتبعون اهواءهم المتحللة المنحرفة التي تدعوهم إلى رفض الإيمان مخافة ان يقودهم إلى
الحق والاستقامة والالتزام السلوكي ، ان مواقفهم تلك لا تغير من الحقيقة شيئاً ،
فكل امر مستقر ، خيراً كان أم شراً ، كل شيء قد اتخذ موقعه في عالم الوجود ،
فالنبوة ثبتت ، وعالم الآخرة قائم موجود ، ولقد قامت عليه الحجة وجاءهم من البيان
والانذار ومواعظ التأريخ ما فيه الكفاية لردعهم ، وإعادتهم إلى الصواب . غير انهم
مصرون ، فما تنفع النذر والمواعظ بعد الحكمة البالغة التي جاءهم بها القرآن .
*
* *
ثمّ يترك القرآن الحديث عن اولئك المجرمين فيخاطب نبيه الكريم محمداً (صلى
الله عليه وآله وسلم)ويدعوه إلى تركهم وعدم الانشغال بالرد على سفههم واقوالهم بعد
إقامة الحجّة والدليل... اتركهم يا محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، اتركهم إلى
ذلك اليوم الرهيب ، يوم يدعوهم الداعي للخروج من القبور إلى شيء نكر ، إلى شيء لم
يألفوه ، ولم يفكروا به ، ولم يتصوّروا أهواله ، وهو العذاب المهين ، فعندها
سيتذكرون ما قلت لهم ... في ذلك اليوم سيخرجون من القبور خروج الجراد من غِيرانها ،
مبعثرين مضطربين ، يصطدم بعضهم ببعض ، لا وجهة لهم ولا نظام، من هول الصدمة وذهول
المفاجأة ، يعلو أبصارهم الذل والمهانة ، وهي مشدودة مصوبة نحو المنادي الذي ينادي
بالبعث والنشور.. وعندها سيواجهون ذلك الموقف المذهل الرهيب ، وسيقول الكافرون هذا
يوم عسير .
* * *
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا
وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ
(10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّماءِ بِمَاء مُنْهَمِر (11) وَفَجَّرْنَا ا
لاَْرْضَ عُيُوناً فَا لْتَقَى ا لْمَاءُ عَلَى أَمْر قَدْ قُدِرَ (12)
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاح وَدُسُر (13)تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً
لِمَن كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَد تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُدَّكِر
(15)فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ا لْقُرْآنَ
لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِر (17)كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي
وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْم نَحْس
مُسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَ نَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْل مُنقَعِر
(20)فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ا لْقُرْآنَ
لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِر (22)كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)فَقَالُوا
أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلاَل وَسُعُر
(24)أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ
(25)سَيَعْلَمُونَ غداً مَنِ ا لْكَذَّابُ ا لاَْشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو
النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ
ا لْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْب مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا
صَـاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30)
إِنَّا أَرْسَـلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِـيمِ ا
لْمُـحْتَظِرِ (31) .
تفسير المفردات الآيات (9 ـ 31)
وازدجر :طُرد وصُد
بالصياح وبالكلام القبيح.
بماء منهمر :بمطر غزير سريع الانصباب.
وحملناه على
ذات ألواح ودسر : وحملنا نوحاً ومن معه على سفينة مصنوعة من الاخشاب المتماسكة
بالمسامير.
ريحاً صرصراً : ريحاً باردة شديدة.
تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل
منقعر : تقتلع الريح الهابّة أولئك الناس المجرمين فترمي بهم كأنهم جذوع نخل انقلعت
من أصولها.
سُعر : جنون.
كذّاب أشر : كذاب شديد الفرح والدهشة بما
عنده.
ونبّئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر :نبئهم يا صالح أن شرب الماء
مقسوم بينهم وبين الناقة، فلكل نصيبه، فيوم لهم، ويوم للناقة، فاذا كان يومهم حضروا
للشرب وحدهم، وإذا كان يوم الناقة حضرت للشرب وحدها.
كهشيم المحتظر :المحتظر:
الذي يبني لغنمه حظيرة، والهشيم: حطام الشجر، والمعنى: انّ قوم صالح صاروا حطاماً
كحطام الشجر الذي يجمعه صانع الحظيرة لبناء حظيرته.
المعنى العام الآيات (9 ـ
31)
بعد هذا التعريف بأحداث قوم نوح ، وما سبقها من أنباء الآخرة ، خاطب البشرية
جميعها بقوله : (ولقد يسّرنا القرآن للذِّكر فهل من مُدّكر ) . ففي هذه الآية
يتحدّث عن وضوح القرآن ويسر فهمه ودلالته لمن أراد ان يهتدي ويستحضر في نفسه عظمة
الله ويكون من الذاكرين . ثمّ يستفهم داعياً للتذكّر ، وحاثّاً على قبول الهدى
بقوله: (فهل من مُدّكر ) ، هل من مفكر متأمل يعرف صدق هذه الدعوة فيؤمن بها
؟
ويعود فيعرض صورة اُخرى من حوادث التاريخ المروعة ، وهي ما حلّ بقوم عاد من
عذاب ودمار بعد ان كذبت هوداً (عليه السلام) ، فكيف كان ذلك العذاب وكيف كان ذلك
النذير ، لقد كان نكالا وفناء لهم ، ودرساً وانذاراً لمن يأتي بعدهم ... لقد
أُهلكوا بريح عاتية عاصفة ، هبّت عليهم في يوم شؤم وانتقام فاستمرت سبع ليال
وثمانية أيام متصلة بعذاب الآخرة ، فما انتقلوا من عذاب الدنيا حتّى حلّوا بعذاب
الآخرة ... ولكي يحضر صورة الحدث مجسّدة أمام الإنسان المخاطب، صوّرهم بصورة جذوع
النخل الذي تقلعه الرياح العواصف من أصوله فتلقي بها مبعثرة هنا وهناك .
وتلك
صورة من صور العذاب والانتقام الدنيوي ، فما أعظمه من عذاب وانتقام .
* *
*
ويُكرِّر الله سبحانه قوله : (ولقد يسّرنا القرآن للذِّكر فهل من مُدّكر )
ليلفت نظر الإنسان الى فضل الله عليه ، إذ سهّل له طريق الهداية والبيان ، ثمّ يسرد
القرآن حوادث الانتقام من ثمود ، وهم قوم النبي صالح الذين استكبروا ورفضوا اتّباع
نبيهم ، لأ نّه بشر مثلهم ، وواحد لا قوّة له ولا أنصار ، وقالوا ان نحن اتبعناه
إنّا إذاً لخاطئون وتائهون عن طريق الصواب ، وفي الآية إيحاء بما تعبّر عنه من
مواقف الجهل والعناد التي ينقلب فيها الحق باطلا . فقد صوروا اتباع دعوة الهدى
والاصلاح ضلالا ، بل ولايفعلها إلاّ من كان في سُعر ، في جنون كما يدعون . . ثمّ
يتساءلون كيف ينزل عليه الوحي من بينهم ، وهم لايطّلعون على ذلك انه اذاً كذاب ،
انهم يريدون ان يسمعوا نزول الوحي ، أو يروا ملك الوحي ليصدقوا . لذا فانهم يتهمون
نبيهم بأنه كذاب متكبر أصابه البطر ، ودعاه ذلك لأن يظهر فيهم كعظيم متفوق عليهم ،
انهم يتهمون نبيهم الذي جاءهم بالاصلاح ورسالة الخلاص .
* * *
بعد أن تحدّث
القرآن عن المعاندين المكذِّبين برسالة القرآن ، ونبوة محمّد (صلى الله عليه وآله
وسلم) ، استعرض لنبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) حوادث من أعماق التاريخ
واجهها الأنبياء قبله ، ليعرِّف بمسار الصراع بين الأنبياء والطواغيت على امتداد
التاريخ البشري ، وليوحي لاجيال المؤمنين ان هذا الصراع سيستمر ولن ينتهي ، فكما
كذّب أهل مكّة نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كذب قوم نوح قبلهم بنبوّة
نبيهم ، واتهموه بالجنون وازدجروه، لقد قابلوه بالكلام السيِّئ القبيح ، وبالتهديد
بالقتل والوعيد ، يرفعون أصواتهم وانفعالاتهم بوجهه ، انّه الاسلوب التافه الأحمق
الذي يتبعه من لا حجة له ولا دليل غير اتهام الدعاة إلى الحق بالجنون واثارة
الشبهات واطلاق الكلام البذيء ، ومواجهة الحوار المعقول بالضجيج والصياح المنفعل
... فلم يجد نوح سبيلا غير اللجوء إلى الله يدعوه بالنصر ، فأجاب الله دعوته